لن تكون «رهام الحكمي» الضحية الأولى، ولن تكون الأخيرة، مادام الاستهتار بحياة الناس بلغ حده من الإهمال والتقصير، في ظل كثير من القضايا الصحية المشابهة التي مرت مرور الكرام، ولم يبت فيها بشيء، ولم تتحرك وزارة الصحة حيالها، كم من مريض مات، ولم يجد العلاج كمواطن له الحق المشروع في المعالجة نتيجة التكدس في المواعيد وتباعدها حتى يأتي الأجل المحتوم؟ وكم من ضحية اغتالتها الأخطاء الطبية المتكررة، التي لم يسبق لها مثيل إلا في قطاعنا الصحي المترهل، بدءاً من المستوصف، والمستشفى الحكومي، إلى القطاع الخاص؟ لو أن كل طبيب عوقب بالخطأ نفسه لما آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن، ولو أن كل مختص نقل دماً ملوثاً إلى مريض بالخطأ ونقل إليه الدم نفسه لما تعددت لدينا هذه الأخطاء، ولو أن كل موظف في هذا القطاع، بدءاً من أصغر مسؤول، إلى من هو أكبر منه، وجد المراقبة، والملاحظة، والمساءلة الدائمة، والمتابعة المستمرة، لما وصلنا إلى هذه الحال المزرية من الإهمال، وعدم المبالاة في أهم مرفق حيوي، يناط به علاج الإنسان وتطبيبه. لماذا تعلقَ الناس بالدجل، واللجوء إلى التطبيب الشعبي؟ لماذا لجأ الناس إلى السحرة والمشعوذين في معالجة أمراضهم الجسدية، قبل أمراضهم النفسية؟ لماذا يتمسك الناس بعلاج الرقاة، وزيوتهم، وخلطاتهم، وقراءاتهم، ولم يتعلقوا بالطب الحديث، ومخترعاته، ومبتكراته؟ كل هذه الأسئلة إجاباتها تتلخص في كلمة واحدة هي اليأس من أن يجد المواطن الرعاية الصحية كما يجب، وكما يليق ببلد أضخم موازنته تذهب إلى قطاعين مهمين هما الصحة، والتعليم، وكلا المرفقين فاشلان، لم ينجحا إلا في استنزاف أموال الدولة، ومعها حياة الناس وأعمارهم، وهذا لم يكن إلا لغياب الضمير وتدني مستوى الأخلاق المهنية، وعدم الدقة في اختيار الأكفاء، في كل مجال من مجالات المهنة، وما يتبعها من أمانة، وخبرة، وتقنيات عالية، تساند العلاج، وتمنع الخطأ. قبل عام كتبت هنا مقالاً بعنوان «صح النوم يا وزارة الصحة»، حذرت فيه من هذه الأخطاء، ومن ارتكابها، ولست الوحيدة التي حذرت من هذا، بل إن كل المواطنين على اختلاف ثقافاتهم كتبوا عن هذا في كل قنوات الإعلام الحديث، بدءاً من صفحات «فيسبوك»، إلى «تويتر»، إلى «يوتيوب» الذي ينقل الكثير من التجاوزات بالصوت والصورة. كلنا يا «رهام» ضحايا الفساد الإداري، والفساد الأخلاقي، والفساد المهني، والفساد التقني، والفساد المطلق. لم يحّملوا أنفسهم العناء في أن يتفانوا في تنقية هذا المرفق الذي يغتال طفولتك، ويغتال براءتك، ويقدم لك الموت في كيس من دماء، لم يفكروا في كيفية الوقاية لك ولأمثالك فلم يحللوا الدماء الملوثة، ولم يراقبوا البنك الذي لا يخضع للرقابة الدولية، لأن منطقة مسقط رأسك ليست في النطاق الرقابي العالي، فلا نهاية للكوارث، فقد حصدت حمى الوادي المتصدع الأرواح من قبلك نتيجة لهذا الانفلات الذي لا نهاية له. ليس لهم إلا ألا يروا، ولا يسمعوا، ليعودوا، لاقتراف ما لا نتوقع بل نتوقع، ونتوقع كل ما تهمس به الأفواه، وتلوكه الألسن، أن الإنسان رخيص الحياة في منظومة الفساد الذي يردده الخاص والعام، ولكن لا طريقة للقبض عليه، في وزاراتنا، ومؤسساتنا، وجميع قطاعاتنا المعنية بتوفير الرفاهية للمواطن، وعلى المتضرر اللجوء إلى الفساد نفسه ليحصل على حقوقه المشروعة، مادام لا يوجد قانون يحميه، ولا آلية توفر له الرعاية، والاهتمام. كلنا ضحايا يا «رهام» مثلك، غير أننا لا ندري متى يأتي الموعد. [email protected] @zainabghasib