الجيش الأميركي في حال جاهزية كاملة للتدخّل في سورية بعد أن تمّ تأمين أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها النظام، لكن الرئيس أوباما يريد حلاً ديبلوماسياً للأزمة السوريّة. هذا ما قاله أخيراً الجنرال ريموند أديرنو رئيس أركان الجيش الأميركي في ندوة ألقاها في معهد بروكينز للدراسات في واشنطن. هذا التصريح جاء بعد جملة من الإعلانات السياسية القويّة التي أدلى بها مسؤولون نافذون في واشنطن ممن يتصدرون واجهة الأمن القومي الأميركي من أمثال وزير الدفاع ليون بانيتا والجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة. هذا ناهيك عما جاءت به السيدة هيلاري كلينتون حول الإحباط السياسي الذي مُنيت به من طرف البيت الأبيض تقويضاً لنيّتها في دعم المعارضة السورية بالسلاح والعتاد منذ بدايات اندلاع الثورة، وهذا ما لمسناه في لقائنا الرسمي الأول بها في تاريخ 4-8-2011. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الأرضية الاجتهادية التي يقف عليها أوباما؟ وهل هي صلبة بما يكفي لتجعله يتجاوز نصائح أقرب مستشاريه وأرفعهم خبرةً ورتباً عسكريّة؟ لا ريب في أن التناقض الذي وقع فيه أوباما بين جذالته الخطابية من جهة، وقدرته على قران الأفعال بالأقوال من أخرى، يجعله يبدو للغالبية الأميركية بعامة، وللسوريين في شكل خاص، من أضعف الرؤساء في التاريخ الأميركي في مهارة اتخاذ القرار والقدرة على تنفيذه بقوة وحزم. فأوباما أسير «نوبل» السلام التي تلقّاها في عهده الأول، والتي ربما أجهزت على ما تبقى له من النيات في مواصلة الدور الأميركي الريادي لجهة دعم حركات التحرر في العالم بالمال والإمداد والسلاح حين يحتاج الأمر ويتغوّل الطرف المعتدي. فبدلاً من دعم المعارضة السوريّة حين بدأ النظام باستعمال العنف المفرط ووجّه السلاح الحيّ إلى صدور الشعب الأعزل في تظاهراته السلمية في الأشهر الأولى للثورة، وفي غياب كامل للإرادة السياسية في البيت الأبيض للدفاع عن مدنيين يقتلون كل يوم، بينهم أطفال ونساء وشيوخ عزّل، لمجرّد مطالبتهم بالحريّة والكرامة والعدالة الإنسانية، آثر السيد أوباما القيادة من الخلف مستعيناً ببعض الدول الخليجية الصديقة لتزويد المعارضة السياسية والمسلّحة بالمال والعتاد، والذي غالباً ما أتى بصورة متقطّعة ومزاجية تتوافق مع مناخ السياسات الإقليمية شدّاً واسترخاءً من جهة، ومع تيرمومتر القرار السياسي الأميركي الذي يتراوح بين تحفيز أو لجم لهذه السيولة المالية واللوجستية لتلك الدول التي تخضع مباشرة لإرادة البيت الأبيض وتهتدي بهديه. هذا ناهيك عن الاستعانة الأميركية غير المعلنة بروسيا الحليف الأعظم للنظام السوري للمساعدة في إيجاد مخارج ديبلوماسيّة للأزمة في سورية علماً أن روسيا لم تتوقف ليوم واحد عن نقل كل ما يحتاج إليه النظام من دعم عسكري واستخباراتي ومعلوماتي، منافسة بذلك الحليف العقائدي الأكثر رعونة للنظام السوري: إيران، تلك المستشرسة للحفاظ على آل الأسد في سدّة الحكم. وقد يكون تصريح رجل الدين الإيراني مهدي طائب الذي يترأس مقر «عمّار الاستراتيجي» لمكافحة الحرب الناعمة الموجهة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حين قال: «لو خسرنا سورية لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم خوزستان (الأهواز) فسنستعيده ما دمنا نحتفظ بسورية»، قد يكون السبب العقائدي السياسي الأساس والمعلن لموقف إيران الداعم حتى الدم للنظام السوري. أما الموقف غير المعلن فهو الثمن الذي يمكن أن تتلقاه إيران من دول العالم في مفاوضاتها من أجل متابعة برنامجها النووي دونما عقبات، مقابل تنازلات تقدّمها في علاقتها مع الأسديين في سورية وعناصر «حزب الله» في لبنان. من حق أوباما رجل السلام بلا منازع أن يطرح الكثير من الأسئلة التي تتعلق بالنتائج المترتّبة لتدخّل جراحي عسكري يمكن أن يكون مغامرة عسكرية جدية للولايات المتحدة بعد درسي أفغانستان والعراق القاسيين، ولكن ليس من حقّه بعد أن وصل عدد ضحايا المعارك الدائرة في سورية إلى ما يزيد على 90000 شهيد، وبعد تدمير البنى التحتية وكذا محاولة تفكيك النسيج الاجتماعي السوري بعد أن تمكّن النظام من بث سمومه الطائفية والتغلغل إلى أصحاب النفوس الضعيفة والتحشيد للنزعة الانقسامية بين أبناء الشعب الواحد من أجل زرع بذور الفتنة والاقتتال الطائفي الذي ينذر بالتمدّد إلى دول الجوار، واعداً بهزات إقليمية وحروب لا نهاية لها حيث جمر الاقتتال على الهوية ما زال مشتعلاً تحت الرماد. إثر هذه المعطيات كافة يصبح من واجب الرئيس أوباما أن يقرأ المشهد من زوايا جديدة يترتّب عليها اتخاذ موقف أخلاقي وإنساني وسياسي ثابت لنصرة الثورة السوريّة ومساعدة الثوّار المسلحين لحسم المعركة من خلال تسليح مباشر لفصائل الجيش الحرّ ومساعدتهم في رسم الاستراتيجيات العسكرية للمعارك، وتمكينهم بالتدريب والموارد والدعم الاستخباراتي وذلك بالشراكة مع دول الجوار السوري والدول الإقليمية الصديقة التي تدعم الثورة. تشير الإحصاءات الى أن 90 في المئة من الضحايا في صفوف المدنيين تأتي من الضربات الجوية المركّزة التي يوجهها النظام بطائراته الحربية إلى المدن والقرى والمرافق العامة المكتظّة بالسكّان. والأولوية الآن هي لتأمين منطقة حظر جوي، ليس بالضرورة على الطراز الليبي، بل من الممكن جداً في حال تزويد الجيش السوري الحرّ بالأسلحة المحمولة المضادة للطيران أن يقوم رجاله الأشداء المدرّبون بأداء المهمّة على خير وجه. من البدهي عدم تجاهل الرعب الأميركي المستطير من سقوط هذه الأسلحة النوعية في أيدي متطرفي القاعدة وأجنحتها المقاتلة. إلا أن على صنّاع القرار الأميركي أن يعلموا أن كل يوم يمرّ من دون تحقيق الشروط العسكرية لنصرة الثورة يعجّل في إمكانية تحوّل سورية إلى دولة فاشلة وبؤرة خصبة لأعمال التطرّف ولنشاط مجموعات القاعدة الذين لا يعجزون عن تأمين السلاح والعتاد ورسم الخطط لتنفيذ أيه مهمة يمكن أن يضطلعوا بها. فصل المقال أنه من ثوابت الأمن القومي الأميركي مكافحة التطرّف المسلّح أينما وجد في العالم. لذا، فإن إسقاط النظام السوري الذي أثبت أنه ليس سوى عصابة مسلّحة تمتلك أسلحة الدمار الشامل وتهدّد بعملية انتحارية كبرى تفجّر فيها نفسها ودول الجوار وربما العالم، عليه أن يكون من القرارات العاجلة والملحّة التي تنتظر توقيع سيد المكتب البيضاوي، وقبل فوات الأوان. * كاتبة سوريّة