تروي الكاتبة الأسترالية جرالدين بروكس حكاية في كتابها «الأنوثة الإسلامية.. العالم المخفي للمرأة المسلمة»، بدايات ارتباطها الروحي بالإسلام: «ذات صباح، في بداية رمضان، الشهر المقدس الذي يصوم فيه المسلمون من الفجر حتى الغسق...»، إلى أن تقول: «كان من المستحيل أن أعيش عاماً في الشرق الأوسط، ولا أشعر بصخب الإحياء الديني، ففي بقاع جزيرة العرب كافة وشمال أفريقيا يتزايد عدد النسوة اللائي يغطين شعورهن، والرجال الذين يطيلون لحاهم ويتجهون إلى المساجد». لكن الكاتبة الأسترالية مع ذلك يبدو من تقليب صفحات كتابها أنها قدمت إلى الشرق الأوسط قدوم المبشّرة، لا قدوم القارئة المتعلمة، وهي تحمل في داخلها تصوراً مسبقاً عن بعض أحكام الأحوال الشخصية التي لا جدال حولها في الإسلام، كما أنها تقدم قراءة نقديّة للتشريعات الإسلامية، من خلال سلوكيات فرديّة منتقاة بشدّة من حياة أناس مختلفين داخل السعودية، وكثير منهم ليسوا من مواطنيها. وتركز بروكس في قراءتها على نقد الحجاب، وتصوير النساء المسلمات على أنهن متململات من الحجاب ويعانين منه، وتستغرب من النزعة الجديدة لدى بعض المصريات المقيمات في السعودية، ورغبتهن التي تطرأ عليهن في ارتداء الحجاب، وتطرح هذه الفكرة بأسلوب لافت، فهي على سبيل المثال، تتخذ من النزعة التغريبية لدى صديقتها المصرية الصحافية سحر، التي عملت مساعدة مدير مكتب صحيفة «وول ستريت»، حجة على غرابة تحول نساء الشرق الأوسط المتحررات من خلع الحجاب إلى ارتدائه، خصوصاً في الأزمنة الدينية المقدسة، مثل شهر رمضان، إذ تقول: «في الصباح الرمضاني ذاك، وقفت بالباب أحدق بها مذهولة، كانت النساء المصريات أول نساء في الشرق الأوسط يرمين الحجاب جانباً، ففي عام 1923، ولدى عودتهن من مؤتمر اقتراع نسوي في روما، قامت المرأتان العربيتان الرائدتان هدى شعراوي وسوزا نبراوي برمي أغطيتهما في محطة سكة حديد القاهرة، والكثير من حشد النساء اللائي جئن لاستقبالهن فعلن الشيء نفسه، أما سحر التي ترعرعت متأثرة بهدى شعراوي وأنصارها لم تتحجب قط، إن اللباس الإسلامي - الحجاب - الذي اختارت سحر أن ترتديه في حرارة مصر الرهيبة يبرهن على قبولها لمتطلبات الشرع، الذي يعتبر شهادتها مساويةً لنصف قيمة شهادة الرجل ونظام الوراثة الذي يعطيها نصف حصة أخيها». أما كيف تحولت صديقتها سحر من شخصيتها التحررية، فتصف الكاتبة ذلك بالآتي: «كنت أمضي الساعات في التحدث مع سحر في شأن قرارها، كنت تتفوه بشعار الجهاد الإسلامي والأخوة الإسلامية قائلة: «الإسلام هو الحل»، وكانت القضية بالفعل قضية شائكة، إذ كيف ستستمر بلادها اليائسة الفقيرة في تحصيل الغذاء والتعليم وتوظيف السكان الذين يزدادون مليوناً كل تسعة أشهر! لقد أخفقت مغازلة الاشتراكية والرأسمالية في إيقاف تدهور الاقتصاد المصري، الحركة الإسلامية تريد أن تتخلى عن هذه الأيديولوجيات التي استُوردت حديثاً وتسير وفق النظام الذي أقره القرآن منذ زمن بعيد، فإن يكُن الله قد كلف نفسه عناء الكشف عن منظومة كاملة من القوانين والأخلاق والتنظيم الاجتماعي، فلم لا يتم اتباع هذه المنظومات؟ هذا ما تقوله سحر». وتضيف: «انضمت سحر إلى حلقة دراسة نسائية في المسجد المحلي، وقد تأثرت بالواعظة الشابة المحجبة، كانت تقول: «كنت أجلس هناك وأقرأ في القرآن الكريم أن على النساء أن يتحجبن، ثم أمشي في الشارع عارية الزندين، بدا لي أنني أرتدي هذا اللباس لأنه غربي، فلِم نقلد كل شيء غربي؟ لما لا نجرب شيئاً مما يخصنا؟». ذلك الشيء يتخذ أشكالاً عدة، فالمتطرفون يجوبون طريق الأهرامات هائجين موجهين أضواء مشاعلهم الكهربائية إلى النوادي التي تقدم الكحول، في مصر الريف، ألح أحد الشيوخ على إصدار تحريم بيع الباذنجان والقرع واليقطين، لأن ملامسة هذه الخضراوات الطويلة الزغباء قد تؤدي إلى إثارة الأفكار الفاسقة عند النساء، وفي القاهرة أطلقت النار على كاتب سخِر من هذا الإعلان، فأردوه قتيلاً خارج مكتبه، وحين هز زلزال المدينة أقام الأصوليون الخيام للنجدة، ومطابخ لإعداد الحساء، للعناية بالمنكوبين بأقصى سرعة وتعاطف، ما أتاح للحكومة أن تتملص من مسؤوليتها. وبمرور الأسابيع انجرفت سحر إلى هويتها الجديدة بصورة أعمق، فرحت أكيف حياتي اللادينية لأتلاءم معها، متخليةً عن قهوتي في الصباحات الرمضانية، في حال كانت النكهة تضر باستمرار صيامها، وكنت أخطو بخفة وهي ترف صلواتها عند الظهيرة على سجادة الصلاة المفروشة في غرفتنا، وهناك ألغام في كل مكان، كانت تسأل مرتابةً ناظرةً إلى لائحة المحتويات على علبة الشوكولاتة (ما هو كرز المرشينو، أنا لا أستطيع أن آكل أي شيء يحتوي على الكحول)، تدريجياً تآلفت مع إيقاعات حياتها الجديدة ومحظوراتها، وبدأت أسماء أعيادها المثيرة للذكريات تخط طريقها إلى تقويمنا: ليلة القدر، وعيد الأضحى والحج». وتتابع شهادتها على صديقتها: «بدت سحر مرتاحة مع ذاتها الجديدة، «أمضيت الليل جلَّه في الخياطة»، قالتها لي ذات صباح حين وصلت إلى العمل زائغة العينين، والآن وقد تحجبت فقد رمت معظم أثوابها الزاهية الألوان، لكنها لم تكن راغبة في التخلي عن محتويات خوانتها برمتها (ففي كل شيء خطأ ما، شقٌّ في الظهر، عروة مشدودة عند الخصر، في الواقع اشتغلت كثيراً كي أنقذ بعض الملابس)، الآن وقد ارتدت الحجاب، قالت إن الحجاب منحها الأمان في شوارع القاهرة المزدحمة، «لا يمكن أن تسمعي باغتصاب فتاة محجبة». وفي الواقع لم يكن أمراً عادياً اغتصاب أحد في القاهرة، حيث الجئام العنيفة من كل الأنواع نادرة إذا ما قيست بمدن الغرب، لكن الترتيب على القفى والتلطيش كثير جداً، خصوصاً في الأحياء المزدحمة وللنساء اللائي يرتدين الملابس الغربية». وتستطرد: «شعرت سحر أيضاً بأن الحجاب سهّل عليها الوصول إلى نساء غير عاديات، فالمواعيد والتساؤلات خارج الإدارات الحكومية تصبح أسهل إذا ما مضت امرأة محجبة بين البيروقراطيات العاملات هناك، ولرغبتهم في رؤية أخت مسلمة تفلح في عملها، فإنهم سيمنحون طلبها دفعة تفضيلية، وفي الوقت نفسه شعرت بسهولة أكبر في التعامل مع الرجال، تقول: «يفترض بهم أن يتعاملوا مع عقلي وليس مع جسدي» قالت إن اللباس هو البداية فقط، فمعدل الجريمة المؤلم في الغرب والأسرة ذات الوالد الواحد والشيوخ المهجورون، كل ذلك يؤكد لسحر إفلاس حياتنا اللادينية وفي جذر هذه المسألة من وجهة نظرها إصرار الأنوثة الغربية على المساواة الجنسية التي تشعر بأنها تتجاهل الطبيعة الجوهرية للمرأة «لا يقضي الإسلام أن النساء أدنى مرتبة من الرجال بل يقول إنهن مختلفات»، هكذا كانت تجادلني محاولة أن تشرح تحريم سلك القضاء على النساء في بعض البلدان الإسلامية. «النساء أكثر انفعالاً من الرجال، لأن الله خلقهن للعناية بالأطفال، لذا فالمرأة في المحكمة قد تظهر الرحمة، حيث يتطلب المنطق القسوة».