تنشغل القوى السياسية العراقية والحكومات المحلية في المحافظات التي اغتصبت أراضيها من جانب تنظيم «داعش» هذه الفترة، في جدال عن كيفية تنفيذ مشروع الحرس الوطني الذي نص عليه البرنامج السياسي لرئيس الوزراء حيدر العبادي لاستعجال عملية تطهير مدنها. وطالب الشيخ خميس الجبارة شيخ عشائر جبور في صلاح الدين (180 كيلومتراً شمال بغداد)، في تصريح إلى «الحياة» الحكومة الاتحادية ب «استعجال خطوات تنفيذ هذا المشروع من خلال عقد لقاءات مباشرة مع جميع مكونات المجتمع من عشائر وسياسيين ومجالس إسناد وصحوات، في محافظاتنا التي اغتصبت من قبل الإرهابيين لتنظيم آلية جمع المقاتلين في قوات الحرس الوطني». وشدد الجبارة على ضرورة أن «تكون هذه التجربة جامعة عبر فتح أبواب التطوع للجميع». وحذر من أنه «في حال اقتصار التطوع أو حصره بيد الأحزاب أو ممثليهم في الحكومات المحلية، ستتحول هذه القوة إلى عصابات مسلحة باسم الدولة تتقاتل في ما بينها عند نشوب أي خلافات أو نزاعات سياسية». وقدرت الحكومة المحلية في صلاح الدين حاجتها إلى 50 ألف مقاتل «لدحر الإرهاب». وتنص الفقرة السادسة من «وثيقة الاتفاق السياسي» (البرنامج الحكومي) التي صوت عليها البرلمان في التاسع من الجاري على «تطوير تجربة الحشد الشعبي والعمل على جعلها ذات بعد وطني مقنن يخدم عملية المصالحة الوطنية، وذلك بتشكيل منظومة الحرس الوطني من أبناء كل محافظة كقوة رديفة للجيش والشرطة لها مهام محددة ومستوى تجهيز وتسليح محدد يهدف إلى جعلها العمود الأساس في إدارة الملف الأمني في المحافظات من حيث القيادة والسيطرة، ويتم من خلالها تحشيد طاقات الشعب العراقي كقوة فعالة تختص بأمن المحافظات وتقوم بإسناد الجيش الوطني كقوة احتياطية عند الحاجة ويشرع هذا بقانون». ومع الأيام الأولى لتشكيل حكومة العبادي، باشرت الحكومة المحلية في الموصل، (450 كيلومتراً شمال بغداد)، تحركاتها والتخطيط لتنفيذ مشروع «الحرس الوطني»، حيث التقى رئيسها أثيل النجيفي، قيادات سياسية وحكومية من إقليم كردستان، وناقش معها سبل تقديم المساعدة في إنشاء معسكرات في مناطق آمنة قريباً من الإقليم وكيفية حمايتها، إضافة إلى الاستفادة من خبرات قوات البيشمركة الكردية في تدريب هذه القوة الجديدة وإعدادها. ولم تقتصر تحركات النجيفي داخل محافظته وحولها، بل توسعت لتشمل رئيس الحكومة المركزية، ومستشار الأمن الوطني، فالح الفياض، المسؤول الأول عن ملف الحشد الشعبي وتقديم مشروع قانون «الحرس الوطني»، وتدارس معهما سبل إنجاح هذه التجربة، وطالبهم منحه صلاحيات الشروع الفوري بتشكيل القوة من ضباط الجيش السابق ومقاتلين آخرين بسبب الوضع الاستثنائي التي تمر به محافظته التي تعرضت لاجتياح من جانب «داعش» وفصائل مسلحة أخرى في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي، إلى حين تشريع القانون. ومع ارتفاع الأصوات المؤيدة لتشكيل «الحرس الوطني» يعرب آخرون من السنّة والشيعة عن مخاوفهم من تشكيلات مناطقية يمكن أن تتخذ كعصابة من جانب أية جهة متنفذة في الحكومة المحلية لأي محافظة أو تستخدم كجيش يمكن الاعتماد عليه لإحياء دعوات الانفصال التي نادى بها كثير من القوى السياسية والدينية خلال العامين الماضيين. وحذر النائب حامد المطلك (ائتلاف الوطنية) من أن «تستخدم هذه القوات لمصلحة أجندات سياسية أو داخلية وتكون داعمةً أية حركات انفصالية تتسلل إلى دفة السلطة المحلية هنا وهناك مستقبلاً». النائب اسكندر وتوت وصف «الحرس الوطني» في الإطار الذي يتم تداوله حالياً، في تصريح إلى «الحياة» بأنه «تأسيس جيوش قد تخرج يوماً ما عن سلطة الدولة إذا ما منحت صلاحيات إدارتها من المحافظات» وطالب بأن تكون «هذه التشكيلات تحت سلطة الحكومة الاتحادية». رئيس «تيار الإصلاح الوطني» وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، يقول: «حان الوقت للنظر في إعادة العمل في الخدمة الإلزامية، فلا يوجد بلد في العالم ليس لديه جيش عقائدي، ولديه رئاسة أركان، ويمكن أن يقوم مجلس النواب بتشريع قانون يقضي بفرض الخدمة العسكرية». وأضاف: «التصدي لتنظيم «داعش» في العراق سيتم على مستويين زمنيين، قصير ومتوسط، والعراق ليس لديه خيار سوى المواجهة»، مبيناً أن «اجتثاث التنظيم وبقاياه وتنقية المنطقة منه سيتطلبان وقتاً كبيراً». واعتبر «القوات العراقية ومساندة قوات البيشمركة الكردية تشكل رافداً لعمليات التحالف على الأرض بالتصدي لما يُعرف بتنظيم الدولة»، مشيراً إلى أنه «لا نية لاستقدام قوات أجنبية لخوض حرب برية في العراق». وقال مصدر حكومي ل «الحياة» إن «رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي كلف ضباطاً في وزارتي الدفاع والداخلية التنسيق مع المحافظات لتشكيل قوات الحرس الوطني». وأكد أن «توجيهات القائد العام تضمنت أمراً بتشكيل كل محافظة قوات من الحرس الوطني قوامها 15 ألف رجل، على أن ترسل كل محافظة ألف عنصر إلى بغداد التي ستشكل وحدها قوة من خمسين ألف مقاتل مرتبطين بمكتب القائد العام». وأردف المصدر أن «المحافظات الجنوبية ستبدأ قريباً تشكيل تلك القوات التي ترتبط بقيادة العمليات في كل محافظة، علماً أن تجهيزها وتدريبها ستتولاهما وزارة الدفاع». وأشار إلى أن في «المحافظات الست التي تشهد مواجهات عسكرية مع عصابات «داعش»، تم الاتفاق مع محافظيها على تشكيل قوات الحرس الوطني خلال الأيام المقبلة ويحق لكل محافظة تجنيد 10 أو 15 ألف مقاتل». وأوضح أن «غالبية المتطوعين في تشكيلات الحرس الوطني هي من أبناء العشائر، إلى جانب فصائل الصحوة وفصائل مسلحة أخرى من بينها كتائب ثورة العشرين، جيش المجاهدين، ثوار الأنبار وغيرها. وهؤلاء الأشخاص تم التعامل معهم وفق ضوابط معينة أهمها أن يضمن شيوخ عشائرهم عدم عودتهم إلى العمل مع الجماعات المسلحة، إلى جانب تعهدات شخصية بالعمل ضمن تشكيلات الحرس الوطني والولاء للعراق فقط، وتسليم السلاح الذي في حوزتهم، وكل أجهزة الاتصال، واستبدالها بأخرى وفق مقتضيات المهمة الجديدة، علماً أن قوات الحرس الوطني ستشرف على تدريباتها القوات الأميركية بمعنى آخر ستشكل قوة رديفة لفرق الرد السريع المرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة». وزاد أن «الكثيرين منهم أبدوا استعدادهم للعمل بتلك الضوابط وبدأت الجهات المعنية تعد قوائم بأسماء المتطوعين لتجهيزهم بما يحتاجونه من المعدات». وتابع: «بعد الانتهاء من تسمية وزراء الداخلية والدفاع وحسم المعركة ضد مسلحي «داعش» ستوكل مهمة القائد العام للقوات المسلحة إلى أحد القادة المعروفين».