في حارة القريون داخل البلدة القديمة لمدينة نابلس، حيث الحجارة القديمة شاهدة على حكايات وحكايات ربما لا يحتفظ بها إلا قلة ورثوها عن آبائهم الذين ورثوها بدورهم عن الأجداد، يقع مصنع «القوقا للحلويات» الذي لا يتميز بالحلوى النابلسية فحسب، بل بكونه كان سجناً عثمانياً تنطق حجارته بآلام كثير من الفلسطينيين والعرب. ويروي الحاج خالد علي القوقا ما ورثه من حكايات عن المصنع الذي بات يديره قائلاً إن هذا المكان كان عبارة عن سجن قديم «على زمن تركيا»، وحافظت السلطات البريطانية في فترة سيطرتها على الأراضي الفلسطينية على المكان كسجن، قبل أن تبني سجناً ومقرات حكومية لها خارج حدود البلدة القديمة، «فعرضت المكان للبيع واشتراه جدي، وحوّله إلى مكان لصنع أصناف من الحلوى النابلسية الشهيرة وبيعها». وقبل أكثر من 50 عاماً، كان هذا المصنع يصدّر الحلوى إلى محافظاتفلسطين والأردن، «لكن الظروف السياسية التي مرت فيها الأراضي الفلسطينية من احتلال عام 1967 وسقوط مدينة نابلس في قبضة الاحتلال الإسرائيلي والحروب والانتفاضات المتتالية، أثرت سلباً على حركته التجارية». وأضاف القوقا: «نعمل في هذا المحل منذ عام 1950، بعدما غادرنا يافا إثر نكبة عام 1948، ومنذ ذلك الوقت ونحن نقاوم الظروف الصعبة ونصر على البقاء نحن والحلويات... يمكن القول إننا نقاوم الانقراض معاً». ويشير وائل ابن الحاج خالد ويعمل في إدارة المصنع مع والده، إلى أنهم ينتجون كل أنواع السكاكر منها «القضامة» و»ملبّس اللوز والفستق»، و»التوفي»، إضافة إلى «الحلاوة الطحينية» التي تشتهر بها نابلس، مثلها مثل «الحلقوم» أو «الراحة». كان المصنع الذي يعاني خطر الانقراض كغيره من متاجر البلدة القديمة في مدينة نابلس، مصدر عذابات للفلسطينيين في الحقبتين العثمانية والبريطانية، فالحجارة التي كانت تشم رائحة الدم والألم، باتت شاهدة على عصر مختلف يحمل مع رائحة الحلوى فرحاً يقاوم الانهيار.