لا يفوِّت الشباب الذين يدرسون اللغة الفرنسية في العراق فرصة تطوير قابلياتهم خارج جدران كلياتهم، فالتباهي بالانتساب الى المعهد الفرنسي أو دخول الامتحانات التي تعلن عنها السفارة الفرنسية بين الحين والآخر باتا مؤشرين الى اقبال هؤلاء الشباب على مصادر أخرى لتطوير لغتهم. أساليب التدريس الجامدة والتقليدية في الجامعات لم تعد تناسب الكثيرين من الشباب الذين يلجأون في وقت مبكر من دراستهم الجامعية إلى المعهد الفرنسي ويخضعون للاختبارات في أول تجربة من نوعها في العراق منذ سنوات طويلة. وغالباً ما يقوم السفير الفرنسي في بغداد دني غوير بتوزيع الشهادات للطلاب الناجحين في المستويين السابقين في احتفال خاص يحضره الطلاب وعدد من اساتذتهم واقاربهم واصدقائهم ليعيشوا اجواء مختلفة عن تلك التي اعتادوها في صفهم الاعتيادي الذي وإن كانت لديهم الرغبة في المشاركة وابراز قدراتهم فيه، لكن الوقت المحدود للمحاضرة مقابل العدد الكبير للطلاب في الصف يجعل الأمر يبدو وكأنه سباحة عكس التيار. وفي آخر احتفال اقيم لتكريم عشرات الطلاب الذين اجتازوا اختبارات ال «دلف» أعلن غوير أن العام الجاري 2013 سيشهد امتحانات اخرى من هذا النوع فضلاً عن ادخال مستويات جديدة من الامتحانات إلى العراق. معظم الطلاب الحاصلين على الشهادة كانوا من كلية اللغات في جامعة بغداد وكلية الآداب في الجامعة المستنصرية، وغالبيتهم ما زالوا في المرحلة الثانية أو الثالثة من الجامعة لكنهم انخرطوا في دورات التقوية في المعهد الفرنسي مبكراً لتطوير مهاراتهم في اللغة وفق أساليب حديثة لم يعهدوها في جامعاتهم من قبل. فأساليب التدريس في المعهد لعبت هي الأخرى دوراً في جذب الطلاب الى مقاعد الدراسة فيه وإجراء الامتحانات المطلوبة التي أقر الكثيرين بصعوبة بعض اسئلتها مقارنة بأسئلة اساتذتهم في الجامعة. صعوبة الإجابة عن الاسئلة الامتحانية لم تمنعهم من الإقرار بأن طريقة التدريس والاسئلة الامتحانية غير التقليدية تدفعهم الى التفكير العميق بطريقة مختلفة بعيدة من اسلوب الالتزام الأعمى بالمنهج المقرر الذي لا يغير الأستاذ مفرداته إلا بنسبة ضئيلة طوال السنوات التي يتعاطى فيها مع المادة الدراسية، فيما يغيّر المركز الثقافي الفرنسي الذي تحول إلى المعهد الفرنسي منهاجه بالكامل كل أربع سنوات. صعوبة اللجوء إلى الغش في تلك الامتحانات مثلما يحدث في الامتحانات الجامعية جعلت منها كاشفاً حقيقياً عن قابليات الطلبة في اللغة، فالدرجة التي يحصل عليها الطلبة هي تحصيل نهائي لجهودهم الذاتية، فالطالب لا يملك علاقات خاصة مع الجهة التي تقوم بتصحيح دفتره الامتحاني مثلما يحدث في الجامعة حينما يقصد الطلبة اساتذتهم بعد كل امتحان للاطمئنان على اجاباتهم. المراكز الثقافية الأخرى في بغداد ما زالت تحاول أن تعود للتواصل مع الشباب الراغبين في تعلم اللغات الألمانية والانكليزية، وعلى رغم المحاولات المستمرة لافتتاح المعاهد والمراكز الثقافية الأخرى التابعة للسفارات إلا ان الوضع الامني غالباً ما يكون عائقاً أمام تلك التحركات، فمعهد غوته والمعهد البريطاني فضلا افتتاح فروع لهما في أربيل أولاً لاختبار الأوضاع قبل المباشرة بالعمل في بغداد. فيما استثمرت عشرات المراكز المحلية ومعاهد تعليم اللغة اسم المعهد البريطاني في تعليمها اللغة بعد استخدامها المنهج الدراسي ذاته بكوادر محلية، لكن إقبال الشباب على المعاهد المحلية يبدو أقل بكثير من توافدهم على المراكز الثقافية الاجنبية سواء في بغداد أم في اربيل، إذ غالباً ما يتقلص عدد الطلاب تدريجياً في المعاهد بعد ايام. السؤال الأول الذي يطرحه هؤلاء عند انتسابهم الى اي معهد هو عن هوية الأستاذ الذي سيقوم بتدريسهم، فهم غالباً ما يفضلون الاستاذ الأجنبي على المحلي.