لم يصنع ذلك التاريخ الشامخ مصادفة، بل إن هناك «هيبة» توشحها منذ زمن ولم يتخلَّ عن وشاحه ذلك حتى يومنا هذا، يوفنتوس الفريق الذي جسّد بصورة يسيرة المعنى الحقيقي للعمالقة حينما ينهضون وينفضون غبار العثرة ويعودون سريعاً إلى واجهة الحدث ويتقاسمون كعكة العظمة مع العمالقة الآخرين. القصة ليست معقدة، ف «السيدة العجوز» وقع يوماً في فخ المراهنات، وأثقلت حركته أغلال العقوبة في عام 2006، فسقط إلى مصاف أندية الدرجة الثانية في إيطاليا «سيريا ب»، ووجد أنه ما بين ليلة وضحاها فاقد للقب «الكالتشيو» الذي احتفل به، وفاقد لأكثر من 8 من عناصره المؤثرة في الفريق، إذ اختاروا طريقاً آخر تتركز عليه الأضواء بدلاً من المشاركة في دوري لن يشاهده إلا قلة، ولم يبقَ في ذلك الأوان إلا من صنفتهم جماهير الفريق دوماً ب«روح البيانكونيري» وقادته، وبالتأكيد الحديث هنا عن الكسندر دل بييرو، وجانلويجي بوفون، إضافة إلى الفرنسي تريزيغيه. ما حدث أن شموخ «فرسان تورينو» لم يسمح لأندية الدرجة الثانية أن يستلذوا بوجود عملاق بينهم إلا في موسم واحد، ليعود بعده سريعاً إلى مكانه الطبيعي في «السيريا أ»، وبحكم أن للسقوط ضرائب فكان يتعيّن على يوفنتوس ومسيريه أن يعيدوا صياغة فريقهم مجدداً ليستعيد قوته المعهودة. وبينما ظن كثيرون أن عودة «البانكونيري» ستحتاج إلى أعوام من العمل، وملايين لا قدر لها في ظل سباق أندية «الملاك العرب» على التعاقد مع أبرز اللاعبين، اختصر رئيسه آنيللي مسافات طويلة حينما وضع ثقته في لاعب الفريق السابق كونتي ليكون مدرباً، ولم يخذله الأخير، فسلّط منظاره على لاعبين قد لا يكونون أصحاب قيمة عالية لدى البعض، ولكنهم كانوا كذلك وهم ينفّذون خطط كونتي في الملعب، وربما ذلك يتمثل في المقام الأول بالتشيلي أرتورو فيدال القادم من باير ليفركوزن الألماني، وتحول إلى نجم لا يشق له غبار في «السيدة العجوز»، إضافة إلى السويسري ليشتنشتاينر المنتدب من صفوف لاتسيو، وربما أن الحال تنطبق على المدافعين بونوتشي وبارزالي، ومن خلفهم جميعاً يأتي القائد المحنك آندريا بيرلو عازف النغم في وسط كل الميادين التي يكون يوفنتوس طرفاً فيها. فكانت ثمرة تلك الخطط، أن يتربع يوفنتوس على عرش إيطاليا، ويطير بلقب «سيريا أ» في الموسم الماضي، ما شفع له بالعودة إلى الركض في ملاعب «دوري أبطال أوروبا»، الأمر الذي بدا أنه سيعود بالنفع على البطولة، إذ ستستعيد أحد عمالقتها، «البيانكونيري» عاد من الباب الواسع، وسجل أولى ضرباته حينما كان سبباً رئيساً في إقصاء حامل اللقب تشلسي من دور المجموعات، ومن ثم عاد لإثبات علو كعبه بفوزه ذهاباً على سلتك الاسكتلندي في دور ال16 أول من أمس (الثلثاء) بثلاثة أهداف من دون رد، والأدهى أن المباراة تلك أقيمت على أرض الفريق الاسكتلندي. وفي اللحظة ذاتها يعض «أبناء تورينو» على صدارة «الكالتشيو» بالنواجذ وبفارق خمس نقاط عن أقرب ملاحقيه نابولي، فيبدو أن الأبواب كلها مفتوحة ليوفنتوس وعلى كل الأصعدة، دروس بسيطة يقدمها النادي الإيطالي في كيفية العودة إلى الواجهة، فهكذا يعود الكبار إلى مسرح الحدث، وبهذه الطريقة يظهر تأثيرهم في المشهد.