أعترف وبصراحة أنني في بداية زواجي حصلت على لقب «عيشة بكّاية» بكل جدارة! فكانت الدموع وسيلتي للتعبير عن أي حال «زعل»، أو خيبة أمل لكل ما كان يخالف توقعاتي العاطفية وأفكاري الخاصة عن الحب والزواج، التي تأثرت كثيراً بأغاني وقصص أفلام الحب المصرية القديمة، فكنت على يقين بأني سأعيش رائعة أم كلثوم، «ألف ليلة وليلة»، لمرسي جميل عزيز وبليغ حمدي، في أن يكون «الحب حياتنا وبيتنا وقوتنا»، وأننا سنكون دائماً «حاسين إننا بنحب وبس، عايشين لليل والحب وبس». ولا أعرف كيف توصلت إلى قناعات عما يجب أن تكون عليه العلاقة الزوجية بين اثنين وقعا في الحب، فكنت أعتقد بأن بعد كل «خناقة» لا بد أن يبادر بالصلح، وأن «الزعل» في قاموسي يعني الامتناع عن الطعام والنوم والضحك، أو أي وسائل ترفيه، فإذا تناول الطعام بعد خلاف بيننا، أو ضحك أثناء مشاهدته للتلفاز، أو قرر أن يخرج مع بعض الأصدقاء، اعتبرتها «مصيبة»، ووصفته بالتجرد من الإحساس، ناهيك عن إيماني بفكرة «رجلك على رجل زوجك»، التي يجب أن تطبق على كل أنشطتنا الحياتية، وإن لم يقبل فهو حتماً لا يحبني! القصص لا تنتهي، لكنها كانت صوراً رسمتها بألوان من اختياراتي عن الحياة الزوجية «الهنية»، من وجهة نظري، ولم يخطر ببالي، أن هذه الأفكار التي نسجتها في خيالي قد تكون أوهاماً، أو متطلبات غير منطقية، أو تكون مخالفة لما يتوقعه «هو» مني. من منا لم تُجرح مشاعره؟ ومن منا لم يشعر بخيبة أمل؟ من منا لم يبكِ من إحساس بالإهمال؟ ومن منا لم يغضب بسبب تجاهل أو نسيان؟ لكن لماذا نُعرض أنفسنا لهذه المشاعر؟ وهل سبق وفكرنا بموضوعية إن كان الطرف الآخر وحده مسؤولاً عن أحاسيسنا؟ هل يمكن أن نكون قد تسببنا نحن أيضاً في جرح أو إهمال للطرف الآخر؟ أو أننا قد نكون مخطئين في ما نشعر به؟ من خلال قراءات، وحوارات مع متخصصين في علم النفس، وفي علاج المشكلات الزوجية والأسرية، تعرفت على كلمة «توقعات» Expectations وتأثيرها على العلاقات الإنسانية، فمن الطبيعي أن يكون لكل شخص توقعاته الخاصة به التي تحكم علاقته بالآخرين، سواء كان زوجاً أم أباً أم أماً أم أبناء أم أصدقاء، وحتى الزملاء في العمل، ولكن تبدأ المشكلة عندما يخلق الإنسان «توقعات» غير واقعيةunrealistic expectations، أو غير واضحة للطرف الآخر، فعلى سبيل المثال، قد تحمل المرأة تصورات معينة عما يجب أن تكون عليه علاقتها بزوجها، والعكس صحيح، فتتوقع منه تصرفات محددة، وردود أفعال في مواقف معينة في الغالب لن تتحقق. فهذه التوقعات بنيت من خلال التنشئة الاجتماعية، ومن خلال خبرات وعلاقات سابقة، وثقافة مكتسبة شكلت أحاسيسنا، وطريقة تفكيرنا، وحكمنا على الأمور، وتصرفاتنا، وبالتالي تختلف من شخص لآخر، وتحدد هذه التوقعات طبيعة علاقتنا مع الآخرين، وتحكم على نجاحها وفشلها، فكلما ارتفع سقف التوقعات، زاد الإحساس بالإحباط، وكثرت المشكلات، وتعرضت العلاقة للفشل، لأننا لم نستطع أن نكسر قيد توقعاتنا، ونرى علاقاتنا على حقيقتها، بحسناتها وسيئاتها، بما نحبه وبما نكرهه فيها. لا يمكن أن يكون الحب فقط كما تحكي عنه الأغاني والروايات والأفلام والمسلسلات، ولا يمكن أن نُكوّن علاقات نسخة طبق الأصل من علاقات نراها حولنا ونعتقد أنها جميلة، لا يمكن أن أجبر أي إنسان أن يكون على ما أحب أن أرى فيه من صفات... الحقيقة أن التجربة ليست سهلة، وتحتاج للكثير من التمرين، لا أستطيع أن أدعي تحرري من كل «توقعاتي» نحو الآخرين، لأنه من المستحيلات ويخالف طبيعة الإنسان، لكني حتماً لم أعد «عيشة بكّاية»، لأني تعلمت أن تكون توقعاتي منطقية وناضجة من دون أن أتخلى عن رومانسيتي أو إيماني بالحب... وصلت إلى حال من الرضا عن نفسي، وعن علاقاتي بمن حولي، وأولهم، زوجي، من «نكدت عليه عيشته»، لأمور كنت أراها مصيرية، فبت أتذكرها اليوم وأبتسم، وأحياناً أضحك كثيراً. [email protected]