في صفحة الوفيات الشهيرة، جرى العرف أن يكشف نعي المرحوم تشابك المصالح وتقاطع العلاقات. فالمرحوم والد كل من محمد وأحمد ومحمود في وزارة البترول، وابن عم حسن وحسين في شركة مصر للبترول، وابن خالة فهيمة ونظيمة في شركة السويس لتصنيع البترول، وعم تامر وسامر وعامر في شركة جنوبالوادي للبترول، وقريب ونسيب عائلات عبدالجواد وعبدالجبار وعبدالستار رواد قطاع البترول والتعدين في مصر. وعلى واجهات العمارات، طبيعي جداً أن تتسع لوحة عيادة الدكتور مصطفى فوزي أستاذ الجراحة في جامعة عين شمس لتحوي الدكتور أحمد مصطفى فوزي أستاذ مساعد الجراحة والدكتورة منى مصطفى فوزي مدرس الجراحة والدكتور هيثم مصطفى فوزي مدرس مساعد الجراحة والدكتور هيثم أحمد مصطفى فوزي معيد الجراحة في الجامعة نفسها. ثقافة التوريث ومنظومة الاستحواذ وفكرة المغالبة التي صعبت الحصول على رغيف العيش وخنقت الحرية وعرقلت العدالة الاجتماعية على امتداد عقود مضت تطل على المصريين هذه الأيام ب «لوك» مختلف وأيديولوجية غير مسبوقة أبهرت المصريين أنفسهم قبل أن تبهر العالم. سلسلة الإبهار والانبهار التي يعيشها المصريون بدأت ب «حمل الخير لمصر»، وذلك عبر «طائر النهضة» الذي كان يفترض أن يفعل برنامج «المئة يوم الأولى» من حكم الرئيس محمد مرسي طبقاً لوعود جماعته «الإخوان المسلمين»، إلا أنه اتضح أن الخير نسبي و «النهضة» فكرية، والبرنامج رمزي. ومن رمزية البرنامج إلى واقعية المشهد السياسي، فالجماعات الحاكمة لا تهدف إلى الاستحواذ ولا تعمل للمغالبة ولا تؤمن بالسيطرة، ومن ثم فإن التيار الذي شكل الغالبية في مجلس الشعب (البرلمان) المنحل، هو ذاته الذي شكل الغالبية في مجلس الشورى غير المنحل، وهو الذي شكل الغالبية في اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور، وهو نفسه الذي تحول من مهمة «الشورى» إلى مهمة «التشريع»، وهو أيضاً الذي جلس مع بعضه بعضاً في جلسات «الحوار الوطني»، وهو الذي التقى بمستشاري الرئيس أو بالأحرى من تبقى منهم ممثلاً عن التيار نفسه بعد استقالة من انتموا إلى تيارات أخرى. التيارات الأخرى التي لم تجد إلا في «جبهة الإنقاذ الوطني» ما يجمع بين صفوفها لم تهنأ بجبهتها والتي ظنت أنها وحدها من تحظى بخانة المعارضة، بعدما استحوذ التيار الحاكم على كل الأخضر واليابس. واتباعاً للمثل الشعبي القائل «الكعكة في يد اليتيم عجبة»، فوجئت الجبهة المعارضة بالتيار الحاكم يزاحمها في هذه المساحة البالغة الضيق. ضيق الصدر بالمعارضة أسفر عن جبهة جديدة فريدة غريبة مريبة هي «جبهة الضمير الوطني»، وهي الجبهة المشكلة من التيار الحاكم ذاته وحلفائه المؤيدين ذاتهم وشخوصه الداعمين العائمين على عومه. الجبهة الجديدة التي تحوي رموز الجماعة الحاكمة والمحسوبين عليها انتماء أو محبة أو مواءمة أو مداهنة «سترفع صوتها ضد كل من يحاول استثمار دماء المصريين طلباً لمكاسب حزبية أو شخصية ضيقة، وستجهر بالمعارضة والاحتجاج في وجه السلطة إذا رأت منها انحرافاً عن أهداف الثورة وخروجاً عن المسار الذي يريده المصريون»، كما جاء في بيان تأسيسها. أول القصيدة لم يكن «كفراً» بل هجاء للمعارضة. القيادي في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان»، عضو الجبهة الجديدة حلمي الجزار قال إن «الجبهة ستتصدى للمعارضة في حال انحرافها عن المسار الشعبي الذي يريده المصريون». وهنا تذكر المصريون المبدأ اللغوي الذي ينص على أن نفي النفي إيجاب، وذلك بتطبيقه على كون معارضة المعارضة حكم. ولأن «حكم القوي على الضعيف»، ولأن «العين بالعين» وال «وايت بلوك» بال «بلاك بلوك»، والجبهة بالجبهة، فسر كثيرون تأسيس الجبهة «إخوانية» الهوى مستقلة المظهر في ضوء جهود عاتية لإخراس المعارضة، إن لم يكن بالترهيب والحبس والاختطاف، فبتشويه السمعة والرمي بالكفر والاتهام بقلب نظام الحكم، وإن جانبها النجاح فبعمل «جبهة الضمير». ومنذ تأسيسها أول من أمس، والطبل والزمر يغمر أرجاء المنتديات «الإخوانية» والتغريدات المحبة للجماعة. فمن تغريدة على حساب «أخبار د. محمد مرسي» المنشأ من قبل موقع «إخوان أون لاين» تتحدث عن «توقعات بأن تمثل جبهة الضمير المعارضة الحقيقية البناءة لمصر والتي ستقف بجانب الرئيس للبناء وليس الهدم»، إلى مقسم بأغلظ الأيمان أنه «مش إخوان» إلا أن «جبهة الضمير أفضل ما حدث في مصر على مدى الشهرين الماضيين». طبل وزمر لكن من نوع آخر ينضح في أرجاء الشبكة العنكبوتية التي ظن بعض روادها أن «حكاية جبهة الضمير مجرد قلش» (مزحة سخيفة)، في حين أكد آخر «انضمام محمد البرادعي وحمدين صباحي إلى الجبهة الجديدة وتسميتها جبهة ضمير وشهير وبهير»، على غرار فيلم كوميدي شهير، وأخيراً ناشط «سلفيو كوستا» محمد طلبة الذي غرد: «حين نظرت إلى أعضاء جبهة الضمير، تذكرت القاعدة الفيزيائية العظيمة: ذوس أعضاء آند ذا ضمير دو نوت ميكس»، ساخراً من جملة شهيرة لمرسي. أما الشعب، فمنه من تفاءل بإمكان قيام «جبهة الضمير» بالضغط على الحكومة لزيادة نصيب الفرد من ثلاثة أرغفة إلى أربعة، ومنه من تساءل عن المقصود بكلمة جبهة بعدما تكاثرت الجبهات، ومنه من سأل مستنكراً: «يعني إيه ضمير؟»، مطالباً ب «جبهة للصمت».