يعمل ياسين الشاب الثلاثيني في المكتب الإعلامي للواء التوحيد «ناشطاً إعلامياً» كما يرافق أحياناً المراسلين الوافدين إلى حلب وريفها. ياسين هو من المجموعة الأولى التي أطلقت التظاهرات السلمية في بلدته حيث لم يتجاوز عدد المشاركين في البداية 15 شخصاً. ولكن بعدما تعسكرت الثورة، وما عاد المجال متاحاً للتظاهر، اتجه إلى «النضال الإلكتروني» حيث وجد لنفسه دوراً أكبر. ويقول: «سخر منا البعض في ذلك الوقت وتندر علينا لكننا تابعنا كتابة الشعارات وأنشأنا صفحات إلكترونية وتعلمنا تقنيات لم تكن تخطر ببالنا... أما السلاح فليس لي فيه». وبعكس غالبية من بقي من الرجال في حلب وريفها، يتنقل ياسين بسيارات الأجرة، ولا يحمل حتى مسدساً بل يعتمد على صفته «الإعلامية» لعبور الحواجز التابعة لمختلف الكتائب والألوية التابعة ل «الجيش الحر». وإذ يتوجس المسلحون من الصحافة عموماً، والمراسلين التلفزيونيين خصوصاً فيستسهلون اتهامهم بالتجسس والعمالة، يبقى أنهم يدركون جيداً حاجتهم إليهم لإظهار صورة حسنة عنهم. فأكثر الأسئلة تردداً على مسامع الصحافي هي إن كان ثمة ما يخيفه فيهم أو في سلوكهم. وفي منطقة تغيب عنها الكهرباء والاتصالات الأرضية والخليوية في شكل شبه كلي، وتنقطع المياه، ويشح مازوت التدفئة والإنارة، تغطي الإنترنت التركية قرى الريف الحلبي بجودة عالية فيما تعتمد المدينة على الإنترنت الفضائية. وبهذا، يكفي أن يشحن «الناشط الإعلامي» جهاز الكومبيوتر لساعة أو اثنتين ليؤدي عمله في متابعة أخبار التنسيقيات وضخ أخباره الخاصة على الشبكة، لكن تلك خدمات باهظة الثمن لا يتحملها الأفراد وإنما المكاتب الإعلامية التابعة لكتائب «الجيش الحر». ويبدو التلفزيون ووسائل الاتصال الأخرى ترفاً غير متاح ولا مرغوباً فيه للكثيرين. فالالتصاق بشاشة «اللابتوب» يجعلهم أكثر تركيزاً على الأخبار الميدانية المباشرة التي تعنى بمنطقتهم والمناطق المجاورة. أما غير ذلك فحشو لا يستوقفهم. وعلى هذا المنوال، أهملت مبادرة خلافية أثارت جدلاً وانشقاقاً سياسياً مثل مبادرة رئيس الائتلاف الوطني معاذ الخطيب، لمصلحة قصف على مطار منغ المجاور. فهنا، لا مجال للاهتمام بالسياسيين وأخبارهم، كما لا التزام بقراراتهم أو اعترافاً بتمثيلهم. وإلى جانب مهن كثيرة نشأت في ظل الثورة، تبدو مهنة «الناشط الإعلامي» و «المرافق الصحافي» الأكثر غرابة على أبناء الريف. ذاك أن انتقال عدد من الشبان من مهنهم السابقة كأساتذة مدارس أو موظفين في «سيرياتل» أو في البلدية أو غيرها، إلى «نجومية» عنكبوتية (وإن بأسماء مستعارة) منحتهم حيثية بين معارفهم ومتابعيهم. أما توافد الغرباء الفضوليين من وراء الحدود فكسر حواجز كثيرة وتقاليد اجتماعية راسخة أبيحت ل «الضيوف». ويبدأ عمل المرافق من لحظة لقائه الصحافي على الحدود التركية ولا ينتهي إلا بإيصاله سالماً إليها. فهو يسكنه في بيته، ويؤمن تنقلاته وطعامه ومواعيد عمله، وشبكة إنترنت، وأهم من هذا وذاك يضمن أمنه الشخصي عبر غطاء عسكري كامل من الألوية المقاتلة والكتائب التابعة لها. وتنشط المكاتب الإعلامية في كل بلدة من بلدات الريف عبر صفحات التنسيقيات، كما شكل كل لواء أو كتيبة مكتبه الإعلامي الخاص يرسل عبره الأخبار والبيانات. ومثلما جمع «لواء التوحيد» تحت مظلته الكتائب الأصغر عسكرياً، ضم مكتبه الإعلامي تلك الدوائر في مركز يعمل في مدينة حلب كأنه وزارة إعلام. وبعكس التيار السائد عالمياً، لجهة تراجع المطبوعات الورقية لمصلحة النشرات الإلكترونية، انتعشت الصحف الورقية في شكل غير مسبوق تعويضاً عن سنوات مضت وعن انقطاع السبل إلى التلفزيون والإنترنت. وتخصص تلك الصحف مساحات واسعة للتعريف ب «المجاهدين» وبقادة الألوية والشهداء وتنشر رسائل قراء موجهة إليهم وتحيي جهودهم. وبين خبر عن مجزرة أعزاز، وفقرة «شكراً تركيا» على الصفحة الأولى، تنشر صحيفة «سورية الحرة» عدد الشهداء الموثقين 61819 مباشرة تحت شارتها: جريدة أسبوعية تصدر من الداخل السوري المحرر.