هدد «الاتحاد الاشتراكي» بمقاطعة جولات الحوار حول منظومة إصلاح القضاء في المغرب. واتهم بيان لقيادة الحزب المعارض وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، المنتسب إلى حزب «العدالة والتنمية»، بالمماطلة في تفصيل مبدأ استقلالية القضاء الذي ينص عليه الدستور «ما يكرّس عملياً استمرار هيمنة وتسلّط الوزير على الجسم القضائي»، في إشارة إلى جدل أثير حول علاقة الادعاء العام بالوزارة الوصية. وعرض المكتب السياسي في اجتماع رأسه السكرتير الأول إدريس لشكر إلى ما وصفه «حملات القمع» ضد نشطاء سياسيين ونقابيين متظاهرين، مشدداً على أن ما تتعرض له النقابة الديموقراطية للعمل يشكّل «نموذجاً» لتراجعات خطيرة في مكاسب احترام حقوق الإنسان. وأعلنت الفيديرالية الديموقراطية للعمل، القريبة إلى «الاتحاد الاشتراكي»، أنها أقرت رفع شكوى ضد حكومة عبدالإله بن كيران إلى منظمة العمل الدولية لوقف «الهجمة الممنهجة ضد الحريات النقابية». وجاء في بيان المركزية النقابية أن هناك «تطورات مقلقة في التعاطي الحكومي ونضالات النقابة الديموقراطية للعمل»، معلناً استنكار النقابة الشديد لمواقف «الداخلية والحكومة ضد ممارسة حق التظاهر السلمي». وتعود وقائع الأحداث إلى تنظيم تظاهرات تُرافق وزير العدل في جولاته، ضمن ما يعرف بالحوار حول إصلاح منظومة القضاء، ما اعتبرته مصادر رسمية «خلطاً بين الممارسات السياسية والمطالب النقابية». إلى ذلك، ارتدت الإجراءات التي تعتزم حكومة بن كيران تنفيذها، لجهة إصلاح صندوق المقاصة المختص بدعم المواد الاستهلاكية الأساسية مثل الزيت والسكر والدقيق، أبعاداً سياسية. وقال عادل الدويري وزير السياحة السابق القيادي في حزب «الاستقلال»، الشريك في الائتلاف الحكومي، إن الهاجس الوحيد للحكومة «يتمثّل في استمالة أصوات الناخبين» بدل التركيز على تحسين مستوى عيش المواطنين. وأضاف أن الحزب الحاكم («العدالة والتنمية») يستعد لتقديم مساعدات مباشرة لمصلحة مليوني شخص، من دون شروط. وفُهم من كلام المستشار الاقتصادي لزعيم «الاستقلال» حميد شباط أن الأخير ما زال يبدي تحفظات عن طريقة إصلاح صندوق المقاصة الذي تتجه الحكومة نحو إلغائه تدريجياً، من خلال تعويض الفئات المتضررة من ترفيع أسعار المواد الاستهلاكية بمساعدات نقدية، ما أضفى على الإجراءات التي لم تدخل بعد حيز التنفيذ أبعاداً انتخابية من وجهة نظر خصوم الحزب الإسلامي، وحتى من بعض حلفائه. وكان الموقف من إصلاح صندوق المقاصة وإجراءات حكومية أخرى مثار جدل بين «الاستقلال» ورئاسة الحكومة، ما حدا بحميد شباط إلى تقديم مذكرة انتقد فيها أداء الحكومة و«هيمنة فريق واحد» عليها، في إشارة إلى «العدالة والتنمية». بيد أن اجتماع ممثلي الغالبية النيابية، أول من أمس، اتخذ من ملف صندوق المقاصة محور نقاش مفتوح. ودافع نجيب بوليف، الوزير المنتدب في الشؤون العامة والحوكمة، عن خطة الإلغاء التدريجي لصندوق المقاصة، انطلاقاً من وضع فرق عمل في مختلف القطاعات كل السيناريوات المحتملة بتداعياته، موضحاً أن التحرير التدريجي لأسعار المواد الاستهلاكية سيرفع الكلفة ما بين 500 و600 درهم شهرياً، أي أقل من مئة دولار. وأضاف أن الاستهداف المباشر سيطاول ثلاثة ملايين ونصف مليون أسرة. ورأى أن الخلاف ما زال قائماً إزاء اعتماد الدعم المالي المباشر بصورة تلقائية أم بشروط. وصرّح رئيس الكتلة النيابية ل «العدالة والتنمية» في مجلس النواب عبدالله بوانو بأن إصلاح نظام المقاصة في جوهره «إصلاح مجتمعي» بل إصلاح لبنيات الدولة، مؤكداً أن الأمر «ليس بسيطاً» وأن اتخاذ قرار في الموضوع سيكون له تداعيات سياسية. لكن رئيس الكتلة النيابية في «الاتحاد الاشتراكي» المعارض النائب أحمد الزايدي اتهم الحكومة بإقصاء الغالبية والمعارضة معاً، في ما يتعلق بإعداد تصورات هذا الإصلاح. ونفى وجود أي مرجعية يمكن الاستناد إليها في هذا الإصلاح، وقال إن النقاش حول هذه القضية استُهلك كثيراً، من دون أن يتطور، وأن الحاجة ماسة إلى «تصور سياسي» يعزز المنظور الفني. وأشار الزايدي إلى ضرورة تحديد الكثير من المفاهيم، ومن ذلك أن معيار الطبقة الأكثر فقراً يظل وارداً، فيما الطبقة الوسطى «مثقلة بالمديونية». ودعا إلى تجنب المزايدات في إقرار إصلاح شامل لهذه المنظومة «يشارك فيه الجميع في التفكير وإيجاد الحلول». ورجّحت المصادر تفاعل الجدل السياسي إزاء هذه الإشكاليات، بيد أن رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران أعلن مرات عدة أنه سيمضي قدماً على طريق إقرار الإصلاحات، و«إن كانت على حساب» شعبيته ونفوذ حزبه.