بات واضحاً أن الولاياتالمتحدة الأميركية فتحت قناة للتفاوض مع فصائل في المقاومة العراقية من دون علم رئيس الجمهورية العراقية جلال طالباني ورئيس وزرائه نوري المالكي، وهو ما حدا بالأخير وأركان حكومته إلى الانتفاض غضباً، والطلب من واشنطن عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية، ولست أعلم كيف يحق لحكومة أن تطلب مثل هذا الطلب، بينما عدد القواعد العسكرية الأميركية في العراق تجاوز 150 قاعدة؟ كما بات واضحاً أن دولة عربية مجاورة للعراق هي من يرعى هذه المفاوضات، بوساطة من إحدى الدول الإقليمية التي اشتهرت بوساطاتها المتلاحقة. الأميركيون أنكروا بداية، مثل هذه اللقاءات مع ممثلين عن المقاومة العراقية، لكن انتفاضة المالكي وأركان حكومته فور تسريب خبر المفاوضات تثبت أن الأميركيين يريدون أن يقولوا لساسة العراق الجدد: «نحن أنجزنا مهمتنا وأسقطنا النظام السابق، ونريد أن نفي بالتزامنا، وننسحب في الموعد المحدد بالاتفاقية الأمنية نهاية العام 2011، وبالتالي نريد من يؤمن انسحاب قواتنا، لكي لا يتكرر مشهد اليوم الأميركي الأخير في فيتنام»، وهي مهمة اكتشفت واشنطن أن قوات الأمن العراقية غير قادرة عليها. الصورة أصبحت لدى الأميركيين أوضح من أي وقت مضى. حكومة المالكي غير قادرة على حماية الانسحاب الأميركي، وبالتالي لا بد من البحث عمن يستطيع أن يفعل ذلك، وهو ما دفع الأميركيين إلى استغلال وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض، ليس للانقلاب على مبادئ سلفه الرئيس جورج بوش، بل للخروج من المستنقع العراقي، وقبل ذلك تأمين ظهر الجيش الأميركي أثناء الانسحاب. إضافة إلى ذلك، جميع الدلائل على الأرض تشير إلى أن المفاوضات بين ممثلي المقاومة العراقية والأميركيين تسير على قدم وساق، فالمقاومة العراقية ممثلة في جبهة الجهاد والإصلاح (بفصائلها الأربع)، والجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع)، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس – العراق)، تمكّنت من الإعلان أخيراً عن تأسيس مجلس سياسي للمقاومة، علماً بأن الاتفاق على تأسيس المجلس الذي أعلن عنه أخيراً تم أوائل شهر أيلول (سبتمبر) 2007 في بغداد، وربما بالقرب من المنطقة الخضراء. ظهور هذا المجلس إلى النور أخيراً، وتتالي تصريحات رئيسه علي الجبوري والناطق باسمه عبدالرحمن البغدادي عبر وسائل إعلام عدة يؤكدان أن المفاوضات حصلت. البغدادي أكد في لقاء مع صحيفة العرب القطرية، أن ممثلي المقاومة عقدوا اجتماعين مع الأميركيين في دولة مجاورة للعراق، الأول في شهر آذار (مارس) 2009، والثاني في شهر أيار (مايو) من العام نفسه، لكنه نفى أن تكون هناك مفاوضات، بل قال: «نحن لم نفاوض الإدارة الأميركية، بل وضعنا شروطاً للتفاوض»، وأضاف: «لقد قدمنا للإدارة الأميركية أربعة شروط لبدء التفاوض معها، الأول: أن تقدم الإدارة الأميركية اعتذاراً رسمياً للشعب العراقي، والثاني: تعويض جميع المتضررين جراء الاحتلال، والثالث: إطلاق جميع الأسرى، وأخيراً: أن تعترف الإدارة الأميركية بالمقاومة العراقية كحق مشروع، وأشار البغدادي إلى أن الوسيط بين المقاومة والأميركيين أكد أنه سيضع حكومة نوري المالكي في أجواء ما يجري، لكن أياً من سكان المنطقة الخضراء لم يحضر الاجتماعين، بحسب البغدادي، الذي رفض رفضاً مطلقاً حضور أي من المسؤولين العراقيين. لست أعلم بالتحديد متى أعلن عن تأسيس المجلس السياسي للمقاومة العراقية، لكنني أعلم أن السيد عزت الدوري طالب في احدى رسائله بتشكيل مجلس سياسي يضم جميع فصائل المقاومة الوطنية العراقية، والسؤال: هل ثمة رابط بين مطالبة الدوري والإعلان عن المجلس؟ وهل تنقلب أميركا على صبيانها بعد أن فشلوا في إدارة شؤونهم؟ المؤكد أن الأيام المقبلة ستشهد تحولات دراماتيكية في المشهد العراقي، إن لجهة التحالفات، وإن لجهة الهيكل العام للدولة، وربما سيستغل مستشارو الحكومة الأميركية فترة الانتخابات العراقية المقبلة لإحداث التغيير المتوقع. العرب تقول: «الذيب ما يهرول عبثاً»، وأنا أقول: «لم يترك محمود المشهداني رئاسة البرلمان عبثاً».