يعود الروس والألمان وجهاً لوجه في "ستالينغراد"، ليس في جبهة قتال هذه المرة، بل في مقبرتين متقابلتين بعد ستين عاماً، تضم كل واحدة منها رفات مئات آلاف الجنود السوفيات والألمان، الذين خاضوا في هذه المدينة، التي تعرف باسم "فولغوغراد"، معركة مصيرية غيرت مصير الحرب العالمية الثانية. هذه المرة يتوافد مواطنون المان وروس لزيارة المقبرة، ومن هؤلاء الزوار الالمانية بريجيب كلوبف، التي تزور مقبرة "روسوخا" الواقعة على بعد ثلاثين كيلومتراً من مدينة "فولغوغراد"، التي كانت تمسى ستالينغراد ابان الحقبة السوفياتية. تقول بريجيت "انه أمر قاس، كل هؤلاء الناس قضوا باكراً". وبريجيت هي واحدة من عشرات الاشخاص الذين يزورون رفات اقاربهم من الجنود الالمان الذي قضوا في معركة ستالينغراد الرهيبة التي شكلت نقطة تحول في مسار الحرب العالمية الثانية. فقد عثر على جثث 56 الف جندي الماني تحت الركام ممن قضوا في هذه المعركة، وهم اليوم مدفونون في مقبرة جماعية. وهذه المقبرة هي الوحيدة المخصصة للالمان، وقد انشأها في التسعينات الاتحاد الالماني للحفاظ على المدافن العسكرية (فولكسباند). وترتفع في هذه المقبرة التي تغطيها طبقة سميكة من الثلج بعض الصلبان الحجرية، وشواهد من الغرانيت، لتخلد ذكرى 120 الفا من الجنود القتلى الذين لم يعثر على رفاتهم حتى اليوم. وتقول اندريا باكي (31 عاما) التي اتت مع صديقها لزياة المقبرة "لقد جئت الى هنا لأن شقيق جدي قتل في هذه المعركة". ولا تتمالك هذه الشابة دموعها مع ارتفاع انغام الموسيقى العسكرية الجنائزية في المكان. وتقول "لا يجب ان يتكرر ما جرى"، مبدية اسفها من وصمة العار التي ما زالت تلاحق الالمان الى اليوم. وتشير الارقام المتوافرة الى مقتل حوالى 150 الف جندي الماني في معركة ستالينغراد، ووقوع 100 الف آخرين أسرى لدى الجيش الاحمر. ومعظم هؤلاء الاسرى لم يتمكنوا من العودة الى بلادهم وقضوا في معسكرات الاعتقال السوفياتية. وكذلك عثر على جثث آلاف الجنود السوفيات الذين قتلوا في هذه المعركة، وهم يرقدون اليوم في مقبرة مقابلة للمقبرة الالمانية. وتقول غالينا اوريشكينا مديرة منظمة "ميموريال" المسؤولة عن المقابر الروسية "هنا، تصدى الجيش الاحمر للهجوم الالماني بين 23 آب/اغسطس والثالث من ايلول/سبتمبر 1942". ويرقد في المقبرة السوفياتية حوالى 16 الف جندي. ولم يكن ممكنا التعرف سوى على جثث 284 منهم دفنوا منفردين، أما الباقون فقد وزعوا على 24 مقبرة جماعية. ويقول ولفغانغ ستروجيك مدير منظمة "فولكسباند" في اوروبا الشرقية "هذا المكان مذهل، ان وجود المقبرتين متقابلتين يحمل دلالة على المصالحة"، مقرا في الوقت نفسه بصعوبة نسيان التاريخ. ويقول فلاديمير بيسمنسكي المسؤول عن صيانة القبور الالمانية "في ما مضى، كانت الدعاية الشيوعية تقول ان الالمان ما زالوا اعداء، وانه ينبغي رمي عظامهم الى الكلاب". ويضيف "اما اليوم، فان الامر اختلف قليلاً، انتم تعرفون ان الجنود لا يذهبون للحرب بملء ارادتهم".