حال من القلق والتذمّر تسود الوسط الثقافي في المغرب نتيجة ركود واضح في المشهد العام منذ أشهر عدّة، أي قبل فصل الصيف وبعده. وجاء الموسم الثقافي في موعده السنوي ليؤكّد جمود الحراك الأدبي في المغرب. وقد انعكس هذا الواقع على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أثارت تدوينة فايسبوكية للكاتبة والصحافية ليلى بارع موجة من النقاش حول الوضع الثقافي المغربي حين وجهت اتهاماً صريحاً إلى دور النشر المغربية الغائبة تماماً عن المشهد الثقافي في المغرب وعن التواصل مع الإعلام ومع الكتّاب والقرّاء أيضاً. وهذا الغياب يجعل الحديث عن انطلاق موسم ثقافي جديد أشبه بإشاعة، خصوصاً في ظلّ عجز الصحافة الثقافية عن مواكبة الجديد الأدبي. ومما جاء في تدوينتها: « أتهّم دور النشر والمكتبات بالتركيز خلال هذه الفترة على الموسم المدرسي والتفكير في الربح المادي السريع، على حساب موسم ثقافي بأكمله، إذ يتم تأجيل كل اللقاءات الثقافية، القليلة أصلاً، حتى تجاوز موسم العودة المدرسية. ورغم انتهاء العطلة الصيفية، نحن لم نتلقّ حتى الآن أيّ دعوة، من أي جهة ثقافية كانت، من أجل حضور ندوة افتتاح موسم ثقافي لأي منها. ولم تعلن، حتى الساعة، أي دار نشر عن قائمة كتبها لهذا العام. لا أثر للموسم الثقافي المغربي، سوى في عناوين الصحف». وقال محمد جليد، المحرّر الثقافي لجريدة الأخبار، إنّ ما يعني دور النشر المغربية هو الربح السريع. فالناشر يبحث عن السّهل، ويبحث عن المال فقط، لا يهمّه انتشار الكاتب ونجاحه. لذلك ترى الناشرين يمتنعون عن عقد الندوات الصحافية للتعريف بما استجدّ لديهم من كتابات وإبداعات، ولا يهتمون بلقاءات الكتّاب، أو بندواتهم وحواراتهم. وأضاف جليد بتهكّم «هم لا يظهرون إلا عندما تعلن وزارة الثقافة فتح باب الترشّح للحصول على الدعم». وشدّد الشاعر ومحرر العلم الثقافي محمد بشكار بدوره على بؤس المشهد الثقافي المغربي الجديد، فسمّى ما يحدث «الفراغ الثقافي الذي يُصَفّرُ في الرؤوس!». وجاء في افتتاحية ملحقه الثقافي أنّ ما نعيشه لا يعكس صورة التاريخ الثقافي والفكري المغربي، متسائلاً: «بأي ثقافة أو لأي ثقافة سندخل في هذا الموسم؟». وأضاف في هذا السياق: «إننا نتخذ سنوياً من أيلول (سبتمبر) ذريعة للحديث عن موسم ثقافي جديد، بينما لا شيء يتغير في مشهدنا الثقافي الآسن، سوى أن الأيام تدور في عَوْدِها البدئي، ليتطور ضفدع - إذا سمح داروين - إلى تمساح..!». وأكّد بشكار ما سبق أن أكّده زملاؤه من محرري الصحافة الثقافية المغربية، معتبرين أن المغاربة ودّعوا صيفاً ودخلوا في صيف آخر بقوله: «لقد ودّعنا في نهاية تموز (يوليو) الموسم الثقافي المنصرم بحرقة مثقف ينتظر حتى... وها نحن نستقبل موسماً آخر بالحرقة ذاتها ولكن إلى متى...؟». وعن المسألة ذاتها، علّق الكاتب محمد بنعزيز، أحد الفاعلين في الحقل الثقافي، ل «الحياة» بسخرية قائلاً: «تحصي الحكومة، هذه الأيام، البشر والجدران، وستندهش من عدد الشقق الفارغة، لكنها لا تريد أن تكتشف عدد الجماجم الفارغة. لذا فإن مندوبية الإحصاء لا يهمها أن تسأل: هل لديك مكتبة في البيت؟ هل قرأت كتاباً في العشر سنوات الأخيرة؟». ومن ثمّ صرّح حول الموسم الثقافي المغربي الجديد بالقول:» أنا أصنع موسمي الثقافي بنفسي. أنشر أعمالي الإبداعية في إحدى الصحف، أو أنشر كتاباً جديداً على حسابي. أكتب وأنشر بتمويل ذاتي أكتب وأنشر كي لا أنتحر»!. أما في سيدي بنور، وهي مدينة صغيرة على أطراف مدينة الجديدة، فانطلق الموسم الثقافي المغربي بخبر انتحار الشاعر عبد القادر الحاوفي، الذي ترك رسالة طويلة يشرح فيها بإسهاب أسباب الانتحار؛ منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو ثقافي. وبالتأكيد كان خبر انتحار الشاعر، ووقعه على أحبائه وأصدقائه كالعاصقة، يحمل دلالات كثيرة في مثل هذا الوسط الثقافي الراكد.