غلبت أجواء الارتياح والتفاؤل في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذه السنة، على خلاف الظروف التي سادت في اللقاء الشتوي السنوي العام الماضي، الذي يجمع نخبة رجال الأعمال والمال في العالم، لتقويم الأوضاع الاقتصادية العالمية وآفاقها مستقبلاً، من دون إسقاط عامل التشاؤم لدى مشاركين والتحذير من الأزمة المقبلة. وأعلن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي عن شعور بأن «الظروف التي أتوجه إليكم في ظلها اليوم مختلفة كلياً عما كانت عليه قبل سنة». وكان أرباب العمل والمصرفيون والسياسيون الكبار، يواجهون قبل سنة، أسئلة حول استمرار منطقة اليورو وعواقب تباطؤ مفاجئ وحاد في الاقتصاد الصيني، وفرص انتعاش مستدام للاقتصاد الأميركي. حتى أن الخبير الاقتصادي نوريال روبيني الملقّب ب «الدكتور كارثة» بسبب توقعاته المتشائمة المحذّرة دائماً من وضع يشبه نهاية العالم، أقرّ بأن «الأمور أقلّ سوءاً عما كانت عليه العام الماضي». ويعود الفضل في ذلك في رأي مشاركين كثر، إلى رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، الذي يُعتبر منقذ اليورو، موضحاً في مداخلة خلال إحدى جلسات منتدى دافوس الأسبوع الماضي، أن «عام 2012 كان عام إنعاش اليورو». لكن عودة التفاؤل إلى دافوس لم تحل دون مخاوف جديدة، أضاء عليها الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أنخيل غوريا، قائلاً: «كلنا مرتاح اليوم، لكن يجب على العكس أن نقلق جداً». وبرّر موقفه ب «استخدام كل الأسلحة لمحاربة الأزمة سواء كانت مالية أو نقدية مع ضخ المصارف المركزية كميات كبيرة من السيولة في الأسواق». ولفت إلى أن البنك المركزي الأوروبي منح المصارف نهاية عام 2011، قروضاً بقيمة ألف بليون يورو». ولم تخفِ شخصيات في دافوس مخاوفها من «اعتماد الحكومات على المصارف المركزية التي باتت أبطال الاقتصاد العالمي». إذ اعتبر أحد كبار المسؤولين في «دويتشيه بنك» انسو جاين، أن «حكام المصارف المركزية هم الأبطال الجدد، وحان الوقت لتنتقل المسؤولية إلى الحكومات». ورأى وزير الاقتصاد الفرنسي بيار موسكوفيسي، أن البنك المركزي الأوروبي «لا يمكنه إنجاز العمل بالكامل، كما أن عملية تصحيح الاقتصاد لم تنته». وقال «يمكن تفهم الملل لكن علينا المضي». ولفت خلال مداخلة في جلسة خلال منتدى دافوس، إلى «نمو منعدم وأموال سهلة»، سائلاً «هل تكون هذه القاعدة الجديدة؟». وأكد ضرورة أن «ندعم النمو على المدى القريب»، ملمحاً إلى أن في إمكان ألمانيا «لعب دور أكبر في هذا المجال». لكن المستشارة الألمانية انغيلا مركل التي اعتادت المشاركة في منتدى دافوس، شددت على «المبادئ الكبرى التي تقوم عليها السياسة الاقتصادية»، معتبرة أن «تعزيز المالية العامة والنمو هما وجهان لعملة واحدة». إلا أن مشاركين حذروا من «خطر زعزعة الاستقرار الممكن أن ينتج من الإحساس بالظلم أو تفشي الفساد في بلدان أوروبية». ورأى الرئيس الإيسلندي اولافور رانيار غريمسون، أن «الوقت حان للتفكير في الشعوب أكثر منه في المصارف»، غير مبالٍ بصوته الذي شذّ عن اللهجة السائدة في دافوس. وأوضح أن في ايسلندا «تركنا المصارف تفلس وركزنا جهودنا على المواطنين، وسارت الأمور في شكل جيد». وأكد أن ايسلندا هي اليوم «في طليعة الدول الناجحة اقتصادياً والتي تشهد انتعاشاً»، مشدداً على ضرورة أن «يشكل ذلك إشارة إنذار إلى المؤسسات المالية».