في خطاب رسّخ ابتعاد الولاياتالمتحدة عن «عقد من الحرب»، دشّن الرئيس الأميركي باراك أوباما ولايته الثانية أمس، في احتفال التنصيب أمام مبنى الكابيتول، محتضناً سياسة الانخراط ل «إزالة الشك والخوف»، كما أكد أن «الأمن والسلام الدائمين لا يتطلبان حروباً بلا نهاية». وفي خطاب أعاد لهجة الأمل التي حملته إلى البيت الأبيض العام 2008، استعار أوباما لهجة أبراهام لينكولن وفرانكلين روزفلت، للتأكيد على «وعد الديموقراطية» الذي تمثّله أميركا، وأن ما يجمع مواطنيها «ليس لوناً أو عرقاً، بل التقاؤنا حول وثيقة دستورية تؤكد أن الجميع متساوون بالحرية وبالحياة». وبعكس خطاب التنصيب العام 2009، والذي تضمن سياسات محددة للولاية الأولى، اكتفى أوباما في خطابه أمس بتبني خطوط عريضة، وضعها في إطار دستوري، وكأنه يتحدّث للتاريخ، ولشرعيته بوصفه أول رئيس أميركي - أفريقي، ولإنجازاته الاقتصادية والخارجية. وأعطت مؤشرات تحدّث عنها أوباما في السياق الخارجي، التزاماً أميركياً بنهج الانخراط والابتعاد من الحروب، بقوله: «إن عقداً من الحرب ينتهي وبدأ التعافي الاقتصادي. قدراتنا بلا حدود، ويمكننا اقتناصها سوياً». وأضاف: «سندافع عن شعبنا ونحافظ على مبادئنا، بقوة السلاح وحكم القانون. سنُظهر شجاعة لتسوية خلافاتنا مع الأمم الأخرى بطرق سلمية، ليس لأننا سذّج حول المخاطر التي نواجهها، بل لأن الانخراط يمكنه في شكل أكبر إزالة الشك والخوف». واعتبر أن الولاياتالمتحدة «تبقى مرساة التحالفات القوية في كل زاوية من العالم، وسنجدد المؤسسات التي تقوّي قدراتنا في إدارة الأزمات (الأممالمتحدة)». ولم يتطرّق أوباما إلى «الربيع العربي»، لكنه أشار إلى أن الولاياتالمتحدة «تساند الديموقراطية، من آسيا إلى أفريقيا، ومن الأميركتين إلى الشرق الأوسط، لأن مصالحنا وضميرنا يجبراننا على التحرك لأجل مَنْ يتوقون إلى الحرية». وحضر احتفال التنصيب، السناتور جون كيري المرشح لتولي وزارة الخارجية، والوزيرة هيلاري كلينتون والرئيس المعيّن لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) جون برينان، وجميعهم من مؤيدي الانخراط. وجاء خطاب أوباما قصيراً، مقارنة بذاك خلال تنصيبه في ولايته الأولى، لكنه تطرق إلى السياسات الداخلية الأبرز التي ستطبع ولايته الثانية، بدءاً من خفض العجز واستكمال التعافي الاقتصادي، ووضع قانون للهجرة يلبّي طموحات الأقليات التي انتخبته بكثافة، إضافة إلى تشريعات تعزّز وضع المثليين. وقال: «لن تنتهي رحلتنا إن لم تُعالج هذه القضايا. الآن أكثر من أي وقت، علينا أن نفعل كل ذلك سوياً، بوصفنا بلداً واحداً وشعباً واحداً». كما تحدّث الرئيس الأميركي عن مكافحة التغيير المناخي، وتقليل الاعتماد على النفط، لكنه اكتفى بالخطوط العريضة من دون الدخول في تفاصيل قد تضعه في مواجهة مع الجمهوريين. وفي الشرق الأوسط، يُتوقع أن تنجلي سياسة أوباما وتبنّيه الانخراط في التعاطي مع ملفات شائكة، خصوصاً الملف النووي الإيراني، إذ تسعى واشنطن إلى إطلاق مفاوضات جدية مع طهران، ما قد يضع أوباما في مسار صدامٍ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. كما يعكس كلام أوباما عن «نهاية عقد من الحرب»، إصراره على استعجال الانسحاب من أفغانستان وامتناعه عن «خوض حروب بلا نهاية». وتبدو هذه السياسة، والوجوه البراغماتية التي ستتولى تنفيذها، انقلاباً على عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش، الذي غاب عن احتفال التنصيب، فيما شارك الرئيسان الديموقراطيان السابقان جيمي كارتر وبيل كلينتون.