أدى تراجع المعروض من النقد الأجنبي في مصر وارتفاع الطلب عليه، إلى ارتفاع قياسي للدولار أمام الجنيه خلال يومين في السوق السوداء، ليتجاوز 725 قرشاً. وأشارت مصادر في سوق الصرافة إلى أن سعر الدولار يختلف في السوق السوداء بحسب المبلغ المطلوب صرفه، إذ يصل إلى 680 قرشاً للمبالغ التي تراوح بين 500 وألف دولار فقط، ويباع ب725 قرشاً للمبالغ الأكبر، لافتة إلى انتشار السوق السوداء أمام فروع المصارف وشركات الصيرفة في ظل غياب رقابة السلطات المختصة. وأوضح المسؤول في شركة «فريندز للصيرفة» أشرف سكر أن «أزمة الدولار ستستمر طالما استمرت الأزمة السياسية في مصر، والإجراءات الأمنية المكثفة تعني وجود أزمة حقيقية وحالاً من عدم الرضا لدى شريحة كبيرة من الشعب عن السياسات الحالية». وطرح البنك المركزي 75 مليون دولار للمصارف في العرض الدولاري ال12، منذ تطبيق العروض الدولارية، بهدف السيطرة على أزمة تراجع الجنيه والحفاظ على الاحتياط الأجنبي. واعتمد «المركزي» في 30 كانون الأول (ديسمبر) الماضي آلية جديدة للسيطرة على سوق الصرف من خلال طرح عروض دورية على البنوك المحلية لشراء الدولار أو بيعه. ويذكر إن الاحتياطات الأجنبية ارتفعت إلى 15.5 بليون دولار بعد وصول الوديعة القطرية لدعم الاقتصاد. وأوضح مسؤول في وزارة المال أن من المزمع توقيع اتفاق القرض الدولي نهاية الشهر الجاري، متوقعاً حصول مصر على الشريحة الأولى من القرض وقيمتها 1.5 بليون دولار خلال الأسبوع الأول من شباط (فبراير) المقبل. وأضاف «الحكومة ممثلة في المجموعة الاقتصادية تُجري بعض التعديلات على خطة الإصلاح الاقتصادي، التي قُدّمت لصندوق النقد بناء على طلبه، وهذه التعديلات تتعلق بتغييرات في بنود الموازنة العامة للعام المالي الجديد»، رافضاً الإفصاح عن مضمونها. وأكد مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسعود أحمد أن «الصندوق يراجع إجراءات الموازنة المصرية قبل مواصلة مفاوضات حسم القرض، والحكومة المصرية حريصة على ذلك». وأوضح رئيس شركة «القلعة» أحمد هيكل أن «الاقتصاد المصري لم يتمكن حتى الآن من جني ثمار الديموقراطية نظراً إلى استمرار الاضطرابات السياسية وغياب المستثمرين التقليديين عن المشهد العام، ما أدى إلى تباطؤ في بيئة الاستثمار المحلي وخفض معدلات الاستثمار الداخلي». وأكد في بيان أن «الأمر يزداد تعقيداً بسبب تراجع قيمة الجنيه، ما جعل البرامج التنموية الثنائية والمتعددة الجنسية تكتسب أهمية متزايدة باعتبارها مفتاح الخروج من هذه الأزمة، فضلاً عن أنها الأسلوب الأبرز والأكثر كفاءة لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية، لافتاً إلى «حاجز الخوف والقلق الذي يسيطر على دوائر اتخاذ القرار في الحكومة، فمصر تواجه ثلاثة تحديات رئيسة تتمثل في أزمة ميزان المدفوعات بسبب قطاع الطاقة، والبطالة والتضخم». وأعرب هيكل عن تفاؤله بالمستقبل على رغم التحديات، وأبرزها الخفض الموقت في قيمة العملة، عازياً ذلك إلى طرح بعض القطاعات الاقتصادية فرصاً استثنائية أمام الشركات والمؤسسات القادرة على مواكبة متطلبات الفترة المقبلة، شرط الحذر والدقة في تحديد جدوى هذه الفرص والتحرك وفق ذلك السياق». وأكد تراجع قدرة القطاع الخاص على جذب التمويل المصرفي نتيجة الأزمة المالية التي تواجه الحكومات الإقليمية، عازياً ذلك إلى الزيادة الملحوظة في إقبال المصارف التقليدية على إقراض الحكومات مقارنة بإقبالها على تمويل مشاريع القطاع الخاص. وأضاف: تمويل المشاريع الضخمة خلال الفترة المقبلة سيتطلب استراتيجيات غير تقليدية، من خلال ما تطلق عليه القلعة مصطلح الثلاثي القوي، ويضم مؤسسات التمويل التنموية الأوروبية والأميركية، وصناديق الثروات السيادية الخليجية، ووكالات ائتمان الصادرات». واستفادت «القلعة» من هذه المصادر الثلاثة لتمويل مشاريع أبرزها منشأة تكرير متطورة باستثمارات بلغت 3.7 بليون دولار عبر «الشركة المصرية للتكرير»، إلى جانب جذب أكثر من 300 مليون دولار لتمويل برنامج إعادة الهيكلة في شركة سكك حديد «ريفت فالي» في كينيا وأوغندا والمزمع تنفيذه خلال خمس سنوات، والذي من المخطط أن يوفّر أكثر من 700 وظيفة دائمة، ونحو 10 آلاف أخرى خلال مراحل الإنشاء. واستعرض هيكل إستراتيجية تمويل المشروع عبر شقين، الأول الاستثمارات الرأسمالية التي تبلغ 1.1 بليون دولار، وتم تأمينها من مؤسسات استثمارية، وحزمة القروض التي تقدر ب2.6 بليون دولار. وأعرب عن اعتزازه بالتعاون مع هذه الكيانات الدولية العملاقة، لافتاً إلى إقبال أركان هذا الثلاثي على ضخ رؤوس الأموال اللازمة لإدخال مشروع «الشركة المصرية للتكرير» حيز التنفيذ، في وقت فضل المستثمرون التقليديون والجهات المقرضة المعتادة أن يعلقوا نشاطهم خوفاً من الأخطار المبالغ في تقديرها. وأوضح أن «المشروع يسعى إلى خفض 50 في المئة من واردات مصر من وقود السولار، فضلاً عن تأمين أكثر من 300 مليون دولار سنوياً لخزانة الدولة، وخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكبريت بنحو الثلث».