بيلي هوليداي نجمة أميركية مرموقة في ميدان موسيقى الجاز، رحلت العام 1959 عن عمر ناهز 45 سنة تاركة رصيداً غنائياً مذهلاً، من قبيل Lady sings the Blues وEasy Living وغيرهما من الأغنيات التي رددتها بصوت دافئ قوي يصعب تقليده ولم يعثر حتى الآن على مثيل له بين فنانات اتبعن مسيرتها، وآخرهن بيونسي وريهانا وأليشيا كيز ونورا جونز، وإن كن لا يغنين الجاز بالتحديد. ولعل المميز في حياة هوليداي يتلخص في البؤس الذي عرفته منذ صباها، حين كانت أمها التي ربتها وحدها، بسبب مغادرة الأب عائلته إثر ميلاد ابنته، تمضي الكثير من لياليها وراء القضبان بسبب إدمانها المخدرات وممارستها الدعارة. وفي ما بعد، عندما شبّت هوليداي، اكتشف بعض عمالقة الموسيقى قدرة حنجرتها فحولوها من متشردة إلى مغنية أولاً وثم إلى نجمة عالمية في ما بعد، لكنها لم تقدر على نسيان ماضيها، وأن صديقاً لوالدتها اغتصبها وهي في الحادية عشرة من عمرها، فأدمنت الكحول والمخدرات حتى أُدخلت المستشفى ورحلت عن الدنيا فقيرة وشابة وليس في جيبها سوى 70 سنتاً، على رغم الشهرة والمجد اللذين حققتهما. واهتمت نجمة الغناء والممثلة الفرنسية فيكتور لازلو بحكاية حياة بيلي هوليداي، فكتبت سيرتها في شكل نص مسرحي وعرضته على المؤلف والمخرج إريك إيمانويل شميدت، صاحب ومدير مسرح «ريف غوش» الباريسي، مثيرة إعجابه بفضل قوة المواقف المتضمنة في المسرحية، ما دفعه إلى خوض تجربة إخراج العمل بنفسه وتقديمه في مسرحه. لكن ثمة نقطة واحدة اعتبرها شميدت غير واضحة في كتابة لازلو، وهي الأغنيات التي يفترض أن تتخلل عرضاً من هذا النوع، إذ اكتفت المؤلفة بالذكر أن أغنيات لهوليداي ستقدّم بين المشاهد. وأراد شميدت أن يعرف ما هي هذه الأغنيات بالتحديد وفي أي مواقع من المسرحية ستُغنّى، وهنا شعرت لازلو بشيء من الزهو، معتبرة أن شميدت يعير صوتها أهمية قد تسمح لها شخصياً بترديد أغنيات هوليداي، بما أنها كانت حددت منذ البداية ضرورة ظهورها شخصياً في المسرحية. وتعاون الثنائي في اختيار الأغنيات وموقعها في النص، حتى انتهى بهما المطاف إلى عمل استعراضي يضم ما لا يقل عن عشرين أغنية إضافة إلى تولي البطلة سرد، بل أداء مقاطع من حياة بيلي هوليداي. وعيّنت فرقة جاز من خمسة موسيقيين مبدعين، غير أن شميدت فكّر في تركيب شاشة ضخمة في خلفية الخشبة تعرض عليها لقطات مسجلة بالأبيض والأسود من عروض قدمتها هوليداي في مسارح نيويورك وفي نوادي الجاز التي استقبلتها لإحياء سهرات استمرت في أحيان كثيرة حتى ساعة متقدّمة جداً من الليل مسببة تدخل الشرطة في محاولات شبه يائسة لتطبيق القانون، الذي كان ينص على أن تغلق النواد الموسيقية أبوابها عند الثانية فجراً. ولعل أجمل ما أتى به شميدت في إخراج العرض، هو المقطع الغنائي الذي تغني فيه لازلو إحدى روائع هوليداي على طريقة «الديو» مع الفنانة الراحلة، إذ تقف لازلو أمام الشاشة ويتزامن شدوها مع غناء هوليداي، الذي يبث بالصوت والصورة، وذلك على غرار ما فعلت ناتالي كول مع فيديو مولّف لأشهر الأغنيات بصوت والدها الراحل نات كينغ كول. ويأتي هذا الصوت المزدوج (لازلو - هوليداي) بمثابة تحفة غنائية تثير التصفيق الحاد والطويل إثر انتهاء المقطع. وفيكتور لازلو ليس الاسم الحقيقي للفنانة المتقمصة بيلي هوليداي، بل اسمها الفعلي سونيا درونييه، لكنها اختارت اسمها الفني الرجالي تكريماًَ للنجم الهوليوودي الراحل بول هنريد، وهو الممثل المفضل لديها كما تقول، والذي حمل اسم فيكتور لازلو في فيلم «كازابلانكا».