تحولت نشرة الأخبار إلى قائمة كوارث أسماء قتلى وقصص مأسوية. وتحولت الصفحات الأولى من الصحف اليومية إلى صفحات حوادث موسعة تحوي أحداثاً مفجعة. وتلونت وجوه المصريين بصبغة غضب قاتم وحمرة غليان مشتعل. حتى تحية «عامل إيه؟» تحول ردها من كلاسيكية «عايش!» إلى حداثة «عايش حتى الآن!» وتقف «الآن» في مهب الريح، لكنه ليس وقوفاً يحتمه التسليم بقضاء الله وقدره والإيمان بأن «كل نفس ذائقة الموت»، بل هو تماشياً مع روح العصر ومتطلبات النظام الجديد. فبحكم التعددية وعلى رغم أنف الغالبية الحاكمة، بات للمصريين كامل الحرية في الاختيار. السؤال الذي وجهه موظف كادح لزميله لم يكن مأسوياً، بل كان الغرض منه ترفيهياً. «تختار تموت إزاي؟ عقار؟ ولا قطار؟ ولا بحار؟» انفجر الاثنان ضحكاً، لكن لم يخش عليهما من شدة الانفجار. فهذه هي المرة الألف التي ينفجران فيها، مرة غضباً من ارتفاع الأسعار، ومرة كمداً من اختفاء السلع، ومرة غيظاً من كذب الوزراء، ومرة حقداً على مواكب المسؤولين، وهلم جراً. لكن جرة هذه المرة جاءت بسبب عقار تهدم على رؤوس قاطنيه، وقطار انقلب على أجساد راكبيه، ومركب غرق بأرواح صياديه، والكل تواتر في ساعات معدودة. ساعات الكوارث المعدودة تقابلها سلاسل سخرية لا تعد ولا تحصى. والحوار الافتراضي المنتشر على الأثير العنكبوتي حالياً مجرد تلخيص لأحداث يوم واحد. «قطار البدرشين انقلب؟ متى؟» «انقلب عشية حادث مزلقان أرض اللواء»! «مزلقان أرض اللواء حصل فيه حادث؟ متى؟»، «بعد ساعتين من انهيار عمارة الإسكندرية». «عمارة إسكندرية انهارت؟» «انهارت ساعة ما القطار دهس الحمار في أرض اللواء بعد ساعات من الحادث الأول»! الحادث الأول، الذي استهل به المصريون أسبوعهم الساخن القاتم، هو حادث قطار البدرشين، الذي أجج مشاعر الجميع بأنه رغم أن «الموت علينا حق»، إلا أن الحق بات متربصاً بالجميع براً بالقطارات والمزلقانات والسيارات الطائشة والبلطجة المارقة والسرقات المنظمة، وجواً بالسقوط من عمارة سكنية مشيدة دون تراخيص يرعاها فساد إداري ويكفلها تجاهل رسمي ويبشر من بقي منها على قيد الحياة من قبل نائب المحافظ بالجنة والتأكيد أن «كلها موتة». ويظل ما يطلق عليه المصريون «موتة ربنا» محل نوستالجيا عميقة هذه الأيام! ف «موتة ربنا» التي كانت تحدث ببلوغ أحدهم من العمر أرذله، أو ابتلاء آخر بمرض يزلزله هي محل اشتياق ولوعة. وتتردد كثيراً عبارة «فين مصر أيام زمان؟ وقت كان الإنسان يبقى على قيد الحياة إلى أن يموت موتة ربنا؟!» لكن الصعاب الجمة التي تواجههم والمآسي الجامعة التي تلاحقهم والكوارث التامة التي تؤرق مضاجعهم قد تجعل أحدهم يفكر في الانتحار، وهو ما يدحضه كثيرون ويذكرون بعضهم بعضاً بحرمانيته مقدمين لهم النصح والعون والدعاء. ويبدأ اليوم بالدعاء «اللهم اكفني شر العقار وركوب القطار وطائر النهضة الجبار»، ويحوي قدراً من القناعة، فعلى المصري أن يدعو قائلاً «كفاية نهضة كده!»، وإن تأزمت الأمور واشتد سواد الدنيا فقد تم توجيه هذه الدعوة «يااللي بتفكر في الانتحار، ليه تموت كافر، احجز تذكرة قطار، واعمل فيها مسافر»! وهناك من الدروس والعبر ما يمكن أن يستفيد منه المصريون، إذ يقال إن «واحد مرة نزل من البيت، وذهب إلى العمل، وعاد إلى بيته ليلاً سليماً معافى، فمات من الفرحة»! وبالنسبة للبعض، ليست هناك فرحة أكثر من عودة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي للترشح مرة أخرى، وتتردد أنباء أن صباحي الذي ترشح تحت شعار «واحد مننا» سيُعاد ترشيحه بعد «النهضة» تحت شعار «إللي فاضل مننا». لكن زمن حمدين لم يحن بعد، فلا يزال المصريون في زمن «الإخوان»، والذي تؤكد الشواهد أن حكومتهم تعمل جاهدة على تطبيق كتاب الله، وإن كان البعض يؤكد أن التطبيق لا يزال يقتصر عند حدود آية واحدة وهي «أينما تكونوا يدرككم الموت».