كأن ريشة رسام الكاريكاتور المصري عمرو فهمي تختزن خطاباً سياسياً عفوياً، صاخباً ساخراً، واضح المعالم، عالي الصوت، خفيف الظل متدفق اللغة... صادفه جمهور معرضه الذي افتتح في مركز محمود سعيد للمتاحف في الإسكندرية تحت عنوان «فريسكا»، وقدم فيه رؤيته الساخرة معبّراً من خلالها عن هموم المواطن المصري وهواجسه في شأن مستقبله السياسي وواقعه الاجتماعي وتشرذمه الفكري والإعلامي. ووجّه فهمي سهام نقده اللاذعة إلى الديموقراطية العربية الوليدة، وتناول في بعض رسومه القضية الفلسطينية، مهاجماً أميركا وإسرائيل والتقاعس العربي عن نصرة الأقصى. ولم يخلُ المعرض الذي يضم 50 لوحة مختلفة الأحجام والتقنيات، من عدد بورتريهات متقنة لشخصيات بارزة، منها محمد علي وأنور السادات والدكتور فاروق الباز والشيخ الشعراوي وبيكار، كما قدّم معالجة كاريكاتورية لوجوه فنانين ومشاهير مثل نانسي عجرم والملكة إليزابيث وسالفادور دالي وعبد الفتاح القصري. واللافت في لوحات فهمي قدرته الفائقة في تحويل الصورة من مجرد شكل جامد صامت بلا مشاعر، إلى حالة إنسانية متدفقة تعكس الكثير من فكر وروح وسيكولوجية الشخص بريشة ناقدة وخفيفة الدم إلى حد كبير. يقول فهمي ل»الحياة» أنه «في خضم الصراعات السياسية التي يضطرب بها الشارع المصري، فكّرت في تقديم معرض «فريسكا» علّنا نخرج أو نتخطى مرتفعات الاكتئاب وتلال القلق المحيطة بنا، وهكذا نحوّل الرصاص وقنابل المولوتوف والحجارة والرصاص إلى ألوان صريحة ثائرة وخطوط نافذة وأفكار جريئة على باليتة خشبية وأوراق وقماش». ويضيف: «الغرب متقدم، في فن الكاريكاتور، على العرب لأن المجال مفتوح للإبداع إلى أبعد الحدود، ورئيس الدولة يمكن انتقاده لأبعد مدى، ولا يلاحق الصحافي أو المبدع نتيجة لذلك، ففي الغرب يمكن تعرية الأفكار والأجساد والمواقف السياسية من دون مضايقة بينما في دولنا العربية هناك مساحة محدودة للحرية وسقف لا يمكن تجاوزه». وعن اسم المعرض، يقول: «اخترت اسم فريسكا، وهي رقائق البسكويت التي يبيعها رجل شهير في الاسكندرية، ويقف خلف الصندوق... «بائع الفريسكا» هذا رجل بسيط، من المعالم الفولكلورية لشطّ إسكندرية، يحمل صندوقه الخشبي، ويسير به بين البلاجات منذ الصباح الباكر وحتى المساء، وهو لا يعلم عن مستقبله شيئاً ولا إذا كان سيرزق بقوت يومه أم سيعود خاوي الوفاض، وهذا حال الكثير من المصريين في هذا الوقت، فنحن لا نعلم موضع خطواتنا ولا في أي اتجاه نسير». ويلفت فهمي إلى إنه حاول التعبير عن تلك الحالة في لوحة «أين الطريق»، حيث مصر تسير في الظلام وهي على هيئة سيدة ترتدي جلباباً أخضر تسير ويحيط بها ظلام دامس، لكنها تحاول الاهتداء بنور «لمبة غاز» (وهي شهيرة في التراث)، لكن النفق مظلم وهذه اللمبة لا تبث سوى إضاءة خافتة، والمرأة تضع يدها فوق رأسها تتحسس الطريق، وهذا علامة على عدم وضوح الرؤية، فنحن لم نر خطة ذات معالم وأهداف واضحة تجعلنا نرى المستقبل بوضوح». نشرت رسوم عمرو فهمي الكاريكاتورية في أهم المجلات العربية والأجنبية، منها جريدة «العالم اليوم» و»الوطن» و»إيجبت توداي» ومجلة «ليدرز» الأميركية، كما صمّم أغلفة لأكثر من 800 كتاب، واختاره الكاتب الكبير أحمد رجب ليرسم كاريكاتور «كفر الهنادوة» الشهير في جريدة «أخبار اليوم» عقب خلافه مع الفنان مصطفى حسين. وصدر لفهمي 17 كتاباً في الكاريكاتور.