قررت الحكومة الإيطالية تعليق نشاطات قنصليتها العامة في بنغازي بشكل موقت «لدواع أمنية» بعد الهجوم الذي استهدف قنصلها السبت الماضي. وأعلنت الخارجية الإيطالية في بيان أمس أن «موظفي القنصلية سيعودون إلى إيطاليا في الساعات المقبلة». وتابعت «أن محاولات زعزعة الاستقرار على غرار الهجوم الارهابي السبت الماضي على القنصل العام غويدو دي سانكتيس تثبت ضرورة تكثيف المجتمع الدولي دعمه للمؤسسات والشعب الليبي». واتخذ القرار بالتشاور مع الحكومة الليبية التي أكدت لها روما «دعم ايطاليا لعملية تعزيز الديموقراطية والمؤسسات التي تجريها سلطات طرابلس»، بحسب البيان. والسبت تعرضت سيارة قنصل إيطاليا في بنغازي لاطلاق نار فيما كان دي سانكتيس بداخلها، ولم يصب أحد بجروح. ونددت إيطاليا بالهجوم معتبرة انه «عمل ارهابي شنيع». وكتبت «فرانس برس» من طرابلس أن انعدام الأمن في ليبيا يعرقل الجهود التي تبذلها السلطات لاجتذاب الاستثمارات الاجنبية إلى بلد يعاني من انهيار اقتصاده بعد ثمانية اشهر من انتصار الثورة على معمر القذافي عام 2011. وجاء الهجوم على القنصل الايطالي في بنغازي بعد أربعة أشهر من قيام مسلحين باضرام النار في القنصلية الأميركية في هذه المدينة، ما أدى إلى مقتل أربعة اميركيين من بينهم السفير. ورأت المحللة كلوديا غازيني من مجموعة الازمات الدولية والمتواجدة في طرابلس أن «هذا الهجوم هو بالتأكيد سبب لقلق العديد من شركات النفط التي تعمل في ليبيا أو تخطط للعودة إلى ليبيا». وقالت إن الهجوم «يمكن أن يكون له تأثير سلبي على قرارهم بالبقاء في البلاد أو العودة اليها. وهذا أمر سلبي لأنه يأتي في الوقت الذي تبذل الحكومة الليبية جهوداً مكثفة لاقناع الشركات الأجنبية بالعودة». وإيطاليا هي الدولة المستعمرة السابقة لليبيا وكانت تتمتع بعلاقات وطيدة مع القذافي، على رغم انها انضمت إلى الحلف الاطلسي للاطاحة به لاحقاً. كما أنها تعتبر اكبر مستثمر اجنبي في قطاع الطاقة الليبي. وفي كانون الأول (ديسمبر)، وبعد توقف أعقب الثورة الليبية، اعلنت شركة النفط الايطالية العملاقة (اينا) عن استئناف عملياتها للتنقيب عن النفط في ليبيا لتصبح ثاني شركة اجنبية تقوم بذلك بعد شركة سوناطراك الجزائرية. وقال المحلل والمؤرخ محمد المفتي الذي يعمل من بنغازي ان محاولة اغتيال القنصل الايطالي تعتبر «احراجاً للسلطات التي تحتاج الى الاستثمارات الخارجية لدعم الاقتصاد». وجاء اطلاق النار بعد يومين من توجه محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام في ليبيا الى روما لاجراء محادثات مع قادة الاعمال. وتقوم الوفود التجارية الأوروبية بزيارات دورية الى طرابلس، إلا أن العديد من رجال الاعمال تبنوا منهج الانتظار لرؤية تطور الاحداث، ويرغبون في التأكد من أن الحكومة الموقتة التي تولت مهماتها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تستطيع ان تحكم قبضتها على الامن في البلاد. وزارت موفدة وزارة الخارجية الفرنسية لشؤون المواطنين الفرنسيين في الخارج هيلين كونوي موريه العاصمة الليبية الاسبوع الماضي لتقويم الوضع وتشجيع الشركات الفرنسية على العمل في ليبيا. وقالت في كلمة أمام الجالية الفرنسية في طرابلس إن «القضايا الامنية تشكل هاجساً لشركاتنا». والجالية الفرنسية في ليبيا صغيرة ومعظمها من الرجال بعد رحيل الزوجات والاطفال. والمدرسة الفرنسية لا تزال تعمل الا أن ثلثي طلابها من الليبيين. وصرحت كونوي موريه للصحافيين الأحد بأنه رغم الدرجة العالية من التفاؤل بشأن الفرص المستقبلية في ليبيا، إلا أن العديد من اصحاب المشاريع ينتظرون تحسن الوضع الأمني. وقالت إن «الشركات الكبيرة لديها بروتوكولات أمنية، ولكن أصحاب المشاريع الصغار الذين يأتون لوحدهم يفتقرون إلى التشجيع لأن الصور التي نراها عن ليبيا في فرنسا لا توحي بوجود امن». وقالت المسؤولة الفرنسية انها امضت ساعتين من رحلتها في مناقشة الاجراءات الامنية. وفي العاصمة يتنقل الديبلوماسيون ورجال الأعمال في عربات مصفحة برفقة مستشارين أمنيين. وتنصح العديد من الحكومات بعدم السفر الى طرابلس الا للضرورة. وفي العام 2012 سحبت العديد من الحكومات ديبلوماسييها أو خفضت عددهم في مدينة بنغازي شرق البلاد ومن بينها البريطانية والفرنسية والاميركية والمصرية والتونسية وذلك بعد الهجمات التي استهدفت ديبلوماسييها. وقالت غازيني: «يجب أن لا ننسى انه رغم أن الاجانب اصبحوا هدفاً في بنغازي، فإن الليبيين انفسهم، بخاصة عناصر قوات الامن، اصبحوا اهدافاً». وتسارعت وتيرة الهجمات ضد المسؤولين الامنيين في ليبيا، بمن فيهم ضباط امن خدموا في النظام السابق، في بنغازي، فيما يلقي العديد باللوم في العنف على المقاتلين الاسلاميين.