أكد الكاتب والمؤلف السعودي الدكتور نزار عبيد في أحد فصول كتابه الجديد أن «العلمانية في مفهومها الشامل هي رؤية معرفية لا أخلاقية ومادية محضة، تستبعد الدين أو القيم المطلقة من جميع عمليات التعامل مع الواقع المعيش (الحياة الدنيا)، بما فيها عملية صياغة المنظومات الأخلاقية». ويواصل مدني انتقاده الشديد للعلمانية بقوله: «تعد هذه الرؤية أن العالم بأسره مكون أساساً من مادة واحدة تشكل كلا من الطبيعة والإنسان، وهي مادة قد تكون أكثر تركيباً في الإنسان منها في الطبيعة، لكنها تظل نهاية الأمر مادة عامة لا أسرار فيها ولا غيبيات، مادة خاضعة لقانون طبيعي واحد، أو مجموعة من القوانين الطبيعية التي تتسم بالوحدة النهائية، فلا يوجد قانون للإنسان وآخر للطبيعة، ويمكن للحواس والعقل - من خلال عمليات المحاولة والخطأ - التوصل إلى هذه القوانين ومعرفتها والإحاطة بها، ومن ثم توظيفها للإنسان أو الدولة أو لأي هدف يقرره من يمتلك هذه المعرفة ويعرف سبيل تقطبيقها، وعلى هذا النحو تصبح المعرفة العلمانية بالضرورة منفصلة تماماً عن أي قيم أخلاقية أو مثالية أو مطلقة، بل عن أي قيم إنسانية». وفي تقاطع مدني مع الرؤية المشتهرة عن العلمانية لدى المفكر العربي الراحل عبدالوهاب المسيري يؤكد المؤلف أن «النظريات العلمانية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية تستند إلى الرؤية العلمانية في المعرفة، وتنطلق منها محاولة تحقيق ما يسمى ب«العلمنة»، أي تطبيق العلمانية على جميع مظاهرة الحياة الإنسانية من سياسة واقتصاد واجتماع وأخلاق وتربية... إلخ». واصفاً عمليات «العلمنة» بأنها «تبدأ في اقتحام حياة الإنسان الفرد بصورة تصاعدية، فتتم في بداية الأمر «علمنة الأخلاق»، بمبدأ إشاعة الروح العلمية الذرائعية (البراغماتية)، وبالإيمان بمبدأ «البقاء للأصلح» وبمقولة: «إن الدافع الوحيد للسلوك هو حب الذات»، أي أن الفرد تصبح له قوانينه الداخلية الخاصة به، من دون الارتباط بأي قيم خارجية عن إطاره الذاتي، ومن دون إشارة إلى أي نطقة مرجعية نهائية أو محددة، ثم تتم «علمنة الجنس» بالنظر إليه نشاطاً مستقلاً عن بقية النشاطات والأهداف الإنسانية، وبجعله منفصلاً عن الإحساس بالذنب أو الخطيئة، وعن الغرض والهدف من فكرة الزواج والإنجاب، وفي نهاية المطاف عن القيم الأخلاقية، وبهذا الشكل يصبح الجنس نشاطاً جسدياً مستقلاً تماماً، له آلياته المستقلة، ولا يخضع لأي مرجعية نهائية. ثم تتم «علمنة الأسرة»، بتفكيكها كمؤسسة اجتماعية، فبدلاً من أن تكون الأسرة وحدة متكاملة تصبح مكونة من وحداة عدة، أي أفراد، لكل فرد حقوقه المستقلة، فالزوج له حريته (حقوق الإنسان)، والزوجة لها حريتها (حقوق المرأة)، والطفل له حريته (حقوق الطفل)، وهكذا...». ويتابع مدني عرض قضية تغول «العلمنة» فيما يسميه «توسعها» بقوله: «تأخذ عمليات «العلمنة» في التصاعد إلى أن تصل إلى الاقتصاد؛ إذ يصبح النشاط الاقتصادي كياناً مستقلاً بآلياته وأهدافه وأغراضه الدنيوية، بمعنى أن يصبح نشاطاً اقتصادياً محضاً، لا يمكن الحكم عليه بمعايير دينية أو أخلاقية أو غنسانية خارجة عن إطارها المستقل، باعتبار أنه يكتسب شرعيته من ذاته فحسب، ومن آلياته التي لا تحكمها أي مرجعية أخرى، وفي نهاية المطاف يصل الأمر إلى «علمنة» اليساسة، وهنا يبرز المفهوم الشائع لمصطلح «العلمانية» بمعنى فصل الدين عن الدولة فصلاً شاملاً».