منذ بدأ الاهتمام الأدبي والثقافي يجد بهواً واسعاً في وقتي وفي غرفتي، وحتى عام 2007، لم أكن واعياً ومُلمّاً بالحراك الثقافي المحلي في المنطقة الشرقية، فضلاً عن بقية مناطق المملكة والعالم العربي. كنت في حالة رثّة ثقافياً وعشوائية في الاطلاع؛ لم أكن أعرف صديقي الشاعر المتجاوز أحمد الملا - مثلاً - ولا المسرحي عبدالعزيز السماعيل، ولا الموسيقي الرائع سلمان جهام، ولا القاص الكبير جبير المليحان! وكنت أقرأ شعر أدونيس وفي ذهني أنه مؤلف تعود حياته إلى فترة الإسكندر المقدوني! أما محمود درويش، فعشت صدمتي الأولى معه عندما علمت أنه ما زال حيّاً وأنا أقرأ له! إذ تعوّدت على قراءة كتب المؤلّفين الموتى، والمؤلَّفات الميتة أيضاً. بهذه الخلفية الثقافية دخلتُ للمرّة الأولى نادي المنطقة الشرقية الأدبي، ولم أخرج منه إلا بعد طباعة أول كتاب لي «نهّام الخليج الأخضر»، واستقالة إدارة النادي الجماعية للضغط على وزارة الثقافة والإعلام لتطبيق مبدأ الانتخاب في الأندية الأدبية. أنظُر الآن إلى تلك الفترة بعينٍ تعمل مثل الكاميرا، زووم طويل يقترب الى تلك التجربة الشخصية مع النادي، فبين دخولي إليه و«خروجي» منه، تشكّلتُ بطريقة لا أدين فيها لأحد أكثر من حُبي للاطلاع، والأبواب التي فتحها النادي حينها للشعراء والقاصّين والسينمائيين والمسرحيين والموسيقيين والتشكيليين والمفكرين والنقاد والصحافيين، هكذا تعرفت على الثقافة بمختلف صورها بشكلها الحي النابض، كان مجلس إدارة النادي ولجانه خليّة من المبدعين المشهود لعملهم الثقافي الطويل ولإبداعهم الحقيقي في حقولهم الأدبية والفنية، الذين كان يمكنني التواصل معهم بشكل مباشر ومحاورتهم ومعرفة رؤيتهم للنادي وبرامجهم للنهوض بالثقافة في المنطقة، وبخاصة بالشباب أمثالي. علّمني النادي حينها عبر برامجه ما أمكنني من خلاله تشكيل صورة واسعة للإبداع في المنطقة الشرقية وفي المملكة والعالم العربي عموماً، واقترح عليَّ جهات كثيرة للإبداع يمكن العمل فيها بحفاوة ودعم كبير منه.. واقترح اسمي وأسماء شبان وشابات آخرين لتقديم بعض الأمسيات والمشاركة فيها من باب ال «تهيئة» للعمل الثقافي وأشكاله.. وختم كل ذلك بدرس كبير عن «موقف» المثقف واستقلاله وسعيه الدائم للإبداع عبر تجاوز وتغيير كل ما يعوق التقدم الثقافي، عندما استقال بشكل جماعي. لستُ معنيّاً هنا بكيل المديح، بقدر ما أنا معنيٌّ بفكرة أن جزءاً ثقافياً كبيراً من ذهني تمّ تشكيله في نادي المنطقة الشرقية الأدبي، وأدينُ له به، وانطلاقاً من هذه الفكرة، صرت أفهم ما الذي يعنيه وجود نادٍ أدبي في المنطقة، وما هي أهدافه وما هي المخرجات الثقافية المتوقعة منه والتي يمكن تحقيقها والتوسّع فيها من خلاله. *** بعد استقالة الإدارة «الذهبية» من نادي المنطقة الشرقية الأدبي، جاءت الإدارة «المُزاحة»، وكنت عضواً في اللجنة المنبرية التابعة له لمدّة شهر تقريباً حتى اعتذرت عن عدم الاستمرار فيها. كانت الإدارة المُزاحة عبارة عن أستوديو تصوير متنقّل، لم أتعلّم منها شيئاً سوى ما يمكن للإعلام أن يُعطي من زخمٍ وبهرجة للعمل ال«ثقافي» حتى لو كان نبضاً بلا قلبٍ ولا دم.. فجأة شعرتُ أنني لا أعرف النادي، ولا أفهم برنامجه الثقافي ولا ماذا يريد، ولم أستطع حتى تخيُّل مخرجاته الثقافية.. خصوصاً عندما تابعت ال«إهانة» الثقافية التي تم توجيهها لأستاذي الشاعر الكبير والرمز علي الدميني، وأتذكر أنني صارعت وقتها لإقامة أمسية تأبينية للشاعر الكبير محمد الثبيتي، ولم أُفلح سوى بافتتاح إحدى الأمسيات بقصيدة له - بصوته - بعد أيام من وفاته... هذه الصالة الثقافية التي احتضنته وغصّت بمحبيه عندما استضافته الإدارة المستقيلة، لم تجد أي سوء في عهد الإدارة المُزاحة في إهماله، وأخذ رحيله بمأخذ إعلامي، ربما لرفع العتب لا أكثر. وهكذا صار المشهد: من عمل ثقافي مميز ومبدع وحقيقي يجب أن يحتفي الإعلام به، إلى إعلام صارخ ومدوٍّ لأعمال ثقافية عشوائية وبائسة. *** عَفَا الله عمّا سلف! هذا ما قلته عندما جرى تعيين «الرُّباعي» الذي يُدير نادي المنطقة الشرقية الأدبي حالياً، وسميته الرُّباعي المنتظَر.. أما الأسماء الستة التي أُضيفَت للنادي لاحقاً بوصفهم «السُّداسي» المنقذ، فيبدو لي أنهم لم تُتح لهم أيّة فرصة في ظل هيمنة الرُّباعي و«أسبقيته»! أظن أني لم أتعلم شيئاً من هذه الإدارة وبرنامجها - إن كان لها برنامج - سوى مفهوم البيروقراطية بكل مخالبه، وكيف يمكنه خنق المثقف وخنق إبداعه عبر سلسلة طويلة ولا نهائية من الاجراءات التي يُمكن استغلالها للتحكم بمصير العمل الإبداعي والنشاط الثقافي.. أما في ما يخص «الاستفادة» من النادي، فيتم تدويرها بين الأعضاء المُعيّنين.. هكذا صار النادي يتمحور حول الرُّباعي المنتظر في شخصنة جماعية للعمل ال«ثقافي» وفي معزل تام وجارح عن مثقفي المنطقة وعن ال«أعضاء» المفترضين الذين تم تسجيلهم - و بأموالهم الشخصية!- على ورق تشكيل الجمعية العمومية! ويبدو لي أن النادي صار مأوى للجن والغبار.. ولم يُفجع قلبي أكثر من رؤية شاب يتلفّت في إحدى أمسيات النادي الشعرية - الوحيدة التي «عليها القيمة» ولم يحضرها مدير النادي!- وهو لا يعرف من الحضور سوى شخصين أو ثلاثة، ولم يسمع حتى بأسماء الشعراء الثلاثة على المنصة، ولا أحد ليسأله، ولا شيء يستطيع البناء عليه ثقافياً ومعرفياً. هكذا صار النادي حالياً مركز استدعاءات للمثقفين، ينتظرون رسائل الجوال لتخبرهم بما ينوي النادي إقامته من أمسيات بشكل عشوائي ومتباعد لا أكثر.. صارت إقامة الأمسيات في النادي لا لهدف دفع عجلة الثقافة في المنطقة، وإنما لملء فراغ في ورقة تُرفع للوزارة لتأكيد أن «الرُّباعي المنتظر» يعمل ويقيم أمسيات! لا يستفيد المثقفون أي شيء من النادي حالياً، ويخشون حتى من قيمة رسالة الاستدعاء أن تُحسب من تكاليف الثقافة! يا سادة: نسي المثقفون أموال العضوية التي دفعوها ليحظوا بجمعية عمومية تنتخب مجلس الإدارة، نسوا حتى الأمل في أن يعود النادي مؤسسة ثقافية تُبدع وتهتم وتُخطط وتُعطي وتتوسع.. باتوا منعزلين لا تجمعهم سوى الصداقات التي كوّنوها في فترة الإدارة المستقيلة.. هذه هي الحقيقة، صار الجلوس في المقهى أجدى ثقافياً وأكثر نفعاً من الذهاب للنادي، وحتى في ما يخص المطبوعات، فالكتب المقدمة للطباعة تدخُل في كهف الانتظار والإهانة بعدم المتابعة مع المؤلّف أو تحديثه بخطة النادي في ما يتعلّق بمؤلّفه، ومنها كتبي التي تقترب من قضاء أربعة أشهر من دون أي خبر عن مصيرها، فسحبتها من دون تردد.. والكوميديا الأشد سواداً هي علاقة الحب بين الوزارة وأحد أعضاء الرّباعي المنتظر على مبدأ «نقّل هواك حيث شئت..» منذ الستينيات! وبخصوص النادي الأدبي فقد استقال هذا العضو مع إدارة النادي المستقيلة «على مضض»، ولم يجد مكاناً في الإدارة المُزاحة، وتربّع في الإدارة الحالية وترشّح لمجلس الإدارة المُقبل! *** لا أمَل في نادينا، نادي المنطقة الشرقية الأدبي، سوى بانعقاد الجمعية العمومية في أسرع وقت ممكن.. فهي المخولة بحسب اللائحة الأساسية للأندية الأدبية بعد انتخاب مجلس الإدارة بمراجعة تقاريره وأعماله ونشاطاته وخططه وموازنته. وبما أن الوضع في نادي المنطقة الشرقية الأدبي استثنائي ومشلول بشكل أو بآخر، أقترح أن تتابع هذا الموضوع وكالة الوزارة للشؤون الثقافية ممثّلة بمدير الأندية الأدبية عبدالله الكناني مع الإدارة الحالية في النادي: ماذا فعلت لتعقد الجمعية العمومية؟ هل تواصلت مع الأعضاء الذين قَدِموا بطواعية ودفعوا المبالغ وقدّموا الأوراق المطلوبة حُباً للثقافة وسجلوا عضويتهم أم لا؟ ألا يُعتبر هذا قتلاً لاهتمامهم بالنادي ودوره ودفن موضوع انعقاد الجمعية العمومية؟ لم نعُد نُريد أحداً ل«تسيير» أعمال النادي، فلا أعمال له، أرجوكم أغلقوه! فعلينا الحفاظ على موازنته حتى يتسلمها مجلس إدارة منتخب وهي «ممتلئة» وقادرة على إقامة مشاريع كثيرة وكبيرة وحقيقية يستعيد النادي من خلالها ألقه. إن انعقاد الجمعية العمومية هو المطلب وهو الهدف.. أرجو أن يصل هذا الصوت لمن يهمه الأمر، ولمن لا يهمه أيضاً. * شاعر وكاتب سعودي.