خرج الأخضر الإبراهيمي غير مرتاح من لقائه الثالث مع بشار الأسد. اللقاء الثاني كان أفضل. ولا غرابة في الأمر. السباحة في العموميات تعفي الطرفين من كشف ما يريدان تركه إلى اللحظة المناسبة. هذه المرة اقترب الأخضر مما تعتبره دمشق «المنطقة المحظورة». لقاءات المبعوث الدولي والعربي مع الحلقة المقربة من الرئيس رسخت قناعته بصعوبة مهمته. اللقاء الرابع يبدو بالغ الصعوبة، أو متعذراً. في الفندق في دمشق، راح الإبراهيمي يقرأ في موقف الرئيس السوري. يعتقد الأسد أن مجلس الأمن لا يزال مقفلاً أمام أي محاولة لاستصدار قرار يغطي عملية خارجية لاقتلاع نظامه. لا شيء يوحي ان روسيا تستعد لتغيير موقفها. الأمر نفسه بالنسبة إلى الصين. ايران قصة أخرى، فهي تعترف أن سقوط النظام السوري يعني سقوط دورها في الإقليم. يعني فشل الهجوم الذي شنته وكلفها عشرات الأعوام وبلايين الدولارات. يعني انتقال المعركة لتقليص حضورها في العراق ولبنان. ثم إن إدارة باراك اوباما ليست في وارد القيام بتدخل عسكري في سورية. وإذا كان النزيف السوري يصيب المدنيين هناك، فإنه يصيب أيضاً النظام وحلفائه. تستطيع الانتظار تحت قبعة الإبراهيمي. تصرف الأسد في اللقاء الثالث مستنداً أيضاً إلى استمرار تماسك الوحدات الأساسية الضاربة في الجيش السوري. وخير دليل انتقال بعض الوحدات إلى الهجوم حول دمشق وتحقيقها بعض التقدم. لم يتصرَّف الأسد تصرُّفَ من يبحث عمن يساعده على الخروج من المأزق. حين لامس الإبراهيمي موضوع «المرحلة الانتقالية» و «الحكومة الكاملة الصلاحيات» استناداً إلى إعلان جنيف، وألمح إلى «تغيير حقيقي»، كان رد الأسد واضحاً، بل قاطعاً. شرعية الرئيس جاءت من الانتخابات ولا تتغير إلا بانتخابات. المشكلة ليست في دمشق، بل في الاعتداء الذي تتعرض له سورية، وأول الحل «أن توقف الدول الراعية للإرهابيين مساعداتها لهم». في موسكو لم يسمع الإبراهيمي ما يتيح له الحديث عن «اختراق» او «تقدم ملموس». قال لافروف إن موسكو لا تعتبر من مهمتها أن تدعو الأسد إلى التنحي، وإنها لا تعتقد أنه سيتجاوب إن فعلت، وإن هذا الجو ملموس أيضاً لدى المحيطين بالأسد. لكن لافروف أكد أن بلاده لم تتراجع عن إعلان جنيف. وأنها مهتمة بمصير البلد لا مصير الشخص. وأنها تعارض بشدة انهيار الدولة السورية ومؤسساتها ولا تريد قيام «ليبيا جديدة»، خصوصاً أن معلوماتها تؤكد تصاعد دور الجهاديين داخل المعارضة السورية. لكن لافروف أكد للإبراهيمي أن بلاده متمسكة بإعلان جنيف على رغم تباين التفسيرات. تصاعَدَ تبادل الرسائل. قال الإبراهيمي إن الخيار في سورية هو بين الحل السلمي والجحيم، وحذّر من الصوملة. ورسم الأسد في خطابه برنامجاً للحل تحت سقف حكومته لا في ظل «حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة». دخل الإبراهيمي مجدداً المنطقة المحظورة ونقل عن السوريين «اعتقادهم» أن حكم أسرة الأسد طال أكثر مما ينبغي، فاتهمه الإعلام السوري الرسمي بالانحياز. في لقاء جنيف لم يتبلور تصور مشترك. بدت أميركا مرتبكة وهي تبلور أركان الولاية الثانية لأوباما. تمسك الجانب الأميركي بتنحية الأسد، لكنه بدا مهتماً بعدم انهيار بنية الدولة السورية، ولم يظهر واثقاً من هوية البديل. تحدث الجانبان الأميركي والروسي عن مخاطر الحل العسكري وكُلْفته الباهظة، وكررا تأييدهما إعلان جنيف. عبَّر كل من الطرفين عن قلقه من تصاعد التطرف. أكد الجانب الروسي ثقته بالإبراهيمي. تحدث عن تأييده التحرك من أجل مرحلة انتقالية وكأنه يدعو إلى إبقاء مسألة تنحي الأسد جانباً. بدت مواقف الطرفين غير ناضجة لتحقيق اختراق، لكنها سمحت بتعويم مهمة الإبراهيمي على رغم دخوله «المنطقة المحظورة». لم يتوقف تبادل الرسائل. بعد جنيف تلقى الإبراهيمي رسالة جديدة، وهذه المرة عبر صحيفة «الوطن» السورية. قالت الصحيفة إن الإبراهيمي «تجرأ» وطرح مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وإن الأسد أجابه: «لست القبطان الذي يهرب من السفينة عندما يشعر أنها بدأت تهتز» وأنهى الاجتماع. هل نفهم من ذلك أن ميزان القوى لا يسمح بحل، بل بالمزيد من الاقتتال لمحاولة تغييره أو فرض وقائع جديدة؟ هل نفهم أن اللقاء الرابع بين الأسد والإبراهيمي بات مستحيلاً، وان دمشق ستحاول كسب الوقت بالمطالبة ب «وسيط غير منحاز»؟ وكم سيُقتل من السوريين بانتظار «نضوج» الظروف الداخلية والإقليمية والدولية؟ أعان الله السوريين المبدَّدين داخل بلادهم واللاجئين خارجها.