لعله يجدر بنا هنا قبل أي شيء آخر، أن نذكّر، بالحضور الطاغي للسينما، عروضاً وأفلاماً متنوعة، على الشاشات الصغيرة العربية. فنحن، ومن دون أن نحتاج للجوء إلى إحصاءات تعزز ما نرمي إلى قوله، نلاحظ دائماً أن العروض السينمائية على الشاشات التلفزيونية تعتبر من العروض الأكثر اجتذاباً للمتفرجين، إذا نحينا جانباً برامج الترفيه والمسابقات وما شابهها. بل يمكن القول إن الشاشة الصغيرة صارت المكان الأكثر رواجاً لمشاهدة عشرات الملايين من أفلامهم السينمائية المفضلة، وربما لن نكون في حاجة هنا إلى الإمعان في التذكير بأن المحطات التلفزيونية في «العالم الخارجي» كله باتت منتجاً دائماً ومموّلاً مشكوراً للقسم الأعظم مما ينتج سينمائياً في العالم. ونعرف طبعاً أن هذا الشيء لا ينطبق على أحوالنا العربية، فالتلفزات عندنا تعيش في غياب تام عن هذا الواقع الإنتاجي السينمائي مع أنه لم يعد جديداً. ومن هنا لن نرفع صوتنا في هذا المقام لمطالبتها بذلك، وليس فقط من باب «رد جميلّ» السينما، بل من باب أهم، وهو أن المستقبل سيشهد أكثر وأكثر نوعاً من الوحدة بين الأداتين... سيكون المستفيد منها من يعرف كيف يستبق الأمور ويدخل لعبتها. لا... لن نطالب التلفزة هنا بهذا فقد سبق لنا أن فعلنا فبُحّ صوتُنا من دون أن تكون ثمة حياة لمن ننادي. ما قد نرى من الضروري، في المقابل، المطالبة به، هو شيء آخر وإن كان ينتمي إلى السياق نفسه: أن تكون للسينما حصة ما من برامج المحطات التلفزيونية، لا من عروضها فقط. ولنوضح هذا: هناك في الواقع محطات تلفزيونية عربية كثيرة، تزعم اليوم أن لديها في برامجها الأسبوعية – والمنتظمة... من فضلكم! – فقرات مخصصة للسينما. بيد أننا إذا تفحصنا هذه الفقرات المنتشرة الآن، سنكتشف أن لا علاقة لها بالسينما بالمعنى الذي نتطلع إليه، على الإطلاق على رغم عناوينها التي توحي بذلك: فالبرنامج من هذا النوع ليس أكثر من نصف ساعة من الزمن – وقد تصل إلى ساعة مثلاً – يؤتى فيها بصبية حسناء مثيرة في أغلب الأحيان، تزوّد بالشرائط الدعائية للأفلام الأكثر «جماهيرية» من بين ما هو معروض في الصالات الأميركية – والأوروبية أحياناً – مع بعض الأرقام حول عدد التذاكر المباعة وما يشبه ذلك، فتروح ساردة إياها كالببغاء، مع أخطاء لغوية وفي الأسماء لا تعدّ ولا تحصى، وكأنها أتت هنا لتقدم درساً في القراءة... المزدوجة اللغة أو المثلّثتها أحياناً من دون أن تكون متمكنة من أية لغة... لا أكثر ولا أقل. ومن دون أن يكون للسينما أي كلام حقيقي واع ناقد أو على الأقل يقدّم من المعلومات ما ينفع المشاهد ويحفزه على ترقب الأفلام لمشاهدتها حقاً وقد زُوُّد بما يدخله حقاً في عالم الفن السينمائي وفي وعي هذا العالم. من هنا ينبع سؤال مشروع: متى تكون للسينما برامجها الحقيقية في التلفزيون؟