نعرف طبعاً أن السجال بين أنصار السينما وأنصار التلفزيون لن يتوقف قريباً. ونعرف أن دورة هذا العام من مهرجان «كان» السينمائي، ليست ولن تكون المكان، أو المناسبة التي سيهدأ فيها هذا السجال، بل على العكس، هذه الدورة كانت منذ ما قبل بدايتها متوقعاً لها أن تشهد اشتداد النقاش. ومع هذا يمكن منذ الآن القول إن المخرج الفرنسي أوليفييه السايس الذي بدأ حياته المهنية ناقداً في «كراسات السينما» مدافعاً بقوة عن الشاشة الكبيرة على الضد من اختها الصغيرة، رسم في دورة هذا العام من المهرجان السينمائي الأكثر دفاعاً، عادة، عن الفن السابع من بين المهرجانات كافة، نقطة تاريخية في السجال، بل نقطة تضع هذا السجال خارج المكان، وكأن السايس يقول إن علاقة السينما بالتلفزيون صارت، أو يجب أن تكون خارج النقاش. أما عنوان هذه النقطة «التاريخية» فهو فيلم «كارلوس»... ونقول فيلم دون معقوفتين، لأن هذا العمل صمم وصور سينمائياً حتى وإن كنا نعرف منذ الآن أنه لن يعرض في أية صالة سينمائية، خارج إطار عرضه في «كان». ومن هنا نقول أيضاً إن النقطة التاريخية التي يسجلها فيلم «كارلوس» لها موعد محدد: مساء يوم الأربعاء المقبل، حيث يعرض الفيلم بأكمله (أكثر من 5 ساعات ونصف ساعة) في الوقت نفسه الذي يعرض فيه، في مكانه الطبيعي: تلفزيون قناة «بلوس» الفرنسية التي أنتجته، كعمل تلفزيوني طبعاً، وستعرضه على ثلاثة أجزاء، كل أربعاء ابتداء من عرض الأربعاء المقبل، الذي نسميه هنا لحظة تاريخية. ل «كارلوس» ملصقات تملأ شوارع «كان» اليوم وساحاتها. وله اهتمام الصحافة السينمائية، والتركيز على بطله إدغار راميرز وكأنه واحد من كبار نجوم السينما. وسيكون لعرضه السينمائي كل ما تحظى به دائماً الأفلام السينمائية الكبيرة التي تعرض في «كان». ومع هذا، هو عمل تلفزيوني يغزو عالم السينما وليس العكس. هو عمل يسجل للمرة الأولى وعلى هذه الضخامة، نقطة اللقاء بين الشاشتين. قبله كانت هناك مبادلات كثيرة، وأحياناً كانت المبادلات تتم بهدوء ولا تثير ضجة، فيما كانت تثير ضجيجاً واحتجاجاً في أحيان أخرى. وقبله نعرف أن الشاشة الصغيرة دائماً ما عرضت أفلاماً سينمائية، كما أنه حدث كثيراً للشاشات الكبيرة أن عرضت أفلاماً مصنوعة أصلاً للتلفزيون. أما هنا مع «كارلوس»، فإن المشروع من الضخامة والإنجاز من الفنية (السينمائية خصوصاً) بحيث ان كل الاحتجاجات الموعودة والمتوقعة والتي كان قيل إنها ستهيمن على اسبوعي «كان»، تبدو وقد هدأت، حتى من قبل أن يعرض العمل رسمياً ويشاهده أحد. وليس هذا فقط بفضل سمعة مخرجه كواحد من مبدعي السينما في فرنسا، بل كذلك بفضل ما كتب وقيل عن الفيلم على ألسنة وأفلام نخبة شاهدته وأكدت أن عملاً للتلفزيون يمكنه أن يكون «سينمائياً» الى هذا الحد، ومن دون أن يظهر تحت قناع ما، ويقول إن طموحه أن يشاهد على الشاشات الكبيرة. السايس حقق فيلماً جديراً بالكبيرة، لكنه أكد أنه لن يصل الى الجمهور إلا عبر الشاشات الصغيرة، بالنسبة إليه انتهى زمن الصراع بين الشاشتين... وحلّ زمن العقلانية.