إذا كانت أعياد نهاية السنة انتهت أخيراً باحتفالات سادت العالم، فالحقيقة أن الأعياد لا تنتهي على مدار السنة، إذ ثمة ما يستعدي الاحتفال الديني أو القومي أو الوطني كل يوم في مكان ما من كوكبنا. والحال إن شعوب العالم كرّست للأيام المميزة معنى العيد، منذ آلاف السنين. وتشير دراسات تاريخية إلى أن الفراعنة هم أول من احتفل بليلة رأس السنة قبل خمسة آلاف سنة، وكانوا يحرصون على إحيائها بفرح عظيم وصاخب. وتضمن الروزنامة المصرية القديمة أعياداً أخرى كل شهرين، إضافة إلى الاحتفاء ببدايات الفصول التي يقيّمون وفقها الزرع والحصاد، ناهيك بأهميتها عند المهتمين بالفلك وكهنة المعابد الذين أولجوا بمواقيت الطقوس والعبادة. في مصر القديمة، كان أتباع أوزوريس يقيمون مهرجانات جماهيرية في مدينة ابيدوس، والمواكب والأناشيد وعروض التمثيل تقام في ذكرى وفاة الرمز وبعثه. أما في الصين، فكان للألعاب دور «حماة الأمن»، إذ كان الإمبراطور يترك لرعاياه فرصة التحرر في فترات منتظمة، وبذلك يزيد التحكم في حماستهم. فكانت احتفالات بأعياد عامة تقام سنوياً، وهو إجراء أيّده كونفوشيوس الذي أدرك أهمية تلك الأعياد للتوازن الجماعي والفردي، واعتبر أنه من غير الطبيعي أن يفرض الأمير على رعاياه العمل المرهق مئة يوم من دون أن يتيح لهم يوماً للفرح. وهذا ما تطوّر في ما بعد في الغرب. ففي أثينا كان اليونانيون يستدلون بأعياد باخوس لإحصاء السنين قبل «الألعاب الأولمبية». عندما ارتاح بُناة الأهرام قدماء المصريين اهتموا بالأعياد، خصوصاً أنها غالباً ما ارتبطت بظواهر فلكية رأوها على علاة بالطبيعة وبمظاهر الحياة. فكان المهرّجون والمغنون يسيرون في مواكب، والسيدات النبيلات يُنشدن ويرقصن تواكبهن قيثارات وأبيات الحب والغرام والإيمان، علاوة على عروض مسرحية تصوّر أساطير معينة. لذلك احتفلوا بعيد الربيع، وتحديداً اليوم الذي تتساوى فيه ساعات الليل والنهار. وكان الأهالي، لا الكهنة، هم الذين يحتفلون بأعياد الرموز، التي يتوقف، يوم عيده، العمل في بناء الأهرام. وتبيّن الوثائق الكلدانية (بلاد ما بين النهرين) التي تعود إلى ستة آلاف سنة، كيف كانت الشعوب القديمة (في الشرق الأوسط اليوم)، تحصي أيام السنة وشهورها، معتمدين على القمر، مع متابعة تغيّر الفصول. وكانت أيام الشهر تراوح بين 29 و30 يوماً، وعدد أيام السنة 354 يوماً. لكن حدث أن تغير نظام الفصول فجأة لسبب طبيعي ما، فاستدعى الملك وزيره حامورابي وقال له إن السنة غيّرت وضعها، وعليك بتسجيل الشهر المقبل باسم أولولو الثاني». أما في التقويم الخاص بقدماء المصريين، فكان فيضان النيل أهم أحداث السنة، وأدركوا إن السنة مكونة من 365 يوماً، وهو ما يبدو أن الكلدانيين كانوا يعرفونه منذ وقت طويل. وعندما ساعد موسى يهود مصر على الخروج منها لم يغادروها خالين، بل حملوا معهم، في ما حملوا، علم النجوم والتقويم، إذ قسم العبرانيون الشهر إلى أسابيع، ودار نظامهم حول يوم السبت، وبعده تبدأ تسمية الأيام ترقيماً، وكانت ببساطة: «اليوم الأول» (الأحد)، و «اليوم الثاني»... الخ. أما قدامى اليونانيين فاختاروا الوحدة العشرية (عشرة أيام في الشهور الكاملة وتسعة أيام في الشهور الناقصة)، وهو نظام معقد يفتقر إلى الدقة. وابتداء من القرن الثالث، اتخذ اليونانيون كمرجع لحساب الزمن الألعاب الأولمبية وأصلحوا تقويمهم. أما التقويم الميلادي المستخدم حالياً، فيرجع إلى الرومان. وفي غالبية اللغات الأوروبية، نجد أن أيام الأسبوع ترتبط بأسماء الكواكب التي عرفها القدماء في القبة السماوية. وفي عهد يوليوس قيصر، كانت للأحبار اليد الطولى في ما يختص بتحديد التواريخ، فكانوا يقدمون أو يؤخرون مواعيد الاستحقاقات تبعاً لما يتقاضونه من رشاوى، وكان موعد الحصاد يحل أحياناً في فصل الشتاء! فاستدعى قيصر منجّماً يونانياً اسمه «سوزيين» ووضع التقويم الشمسي، مقتصراً على حساب حركة دوران الأرض حول الشمس، وحدّد عدد أيام السنة ب365 يوماً يضاف إليها يوم كل أربع سنوات (السنة الكبيسة)، كما غيّر قيصر أول أيام السنة فجعله أول كانون الثاني (يناير)، بدلاً من أول آذار (مارس). وفي نهاية القرن ال19، صار «التقويم الدولي» هو ما نعرفه اليوم.