في الجزء الأول من هذه الندوة حول قرار دخول المرأة السعودية في مجلس الشورى، وخوض الانتخابات في المجالس البلدية، اتفق المشاركون على أن القرار السامي كان صائبًا، ويقف نصيرًا للمرأة لنيل حقوقها المشروعة أسوة بالرجال، كما اعتبر البعض أن دخول المرأة في مجلس الشورى أمر طبيعي، وواجب وطني وشرعي، وتفاوتت الآراء حول دوافع القرار، حيث أشار بعض المشاركين إلى أنه نابع من حس ورؤية وطنية خالصة، نافين أي تأثير خارجي في اتخاذ القرار، على خلاف ما يقول به البعض الآخر، كذلك أبدى بعض المشاركين والمشاركات تخوفهم من عدم تغلغل ثقافة الانتخاب في المجتمع السعودي بما سيكون لها ظلالها على تجربة انتخاب المرأة في المجالس البلدية.. في هذا الجزء الثاني من الندوة يتواصل النقاش عبر عدد من المحاور في محاولة لاستجلاء ما يمكن أن تضيفه المرأة بمشاركتها سواء في مجلس الشورى أو المجالس البلدية، وهل ستكتفي بطرح قضاياها الخاصة، وعلى أي أساس سيتم اختيار المرأة هل عبر الانتخاب أم التعيين، وكيف يمكن تجاوز معضلة «الظروف الاجتماعية» في هذه الناحية، وهل تملك المرأة العدد الكافي من الكوادر المؤهلة للمشاركة في مجلس الشورى والمجالس البلدية.. كل هذه المحاور دار النقاش حولها في سياق هذا الجزء الثاني من الندوة.. * المدينة: هل تعتقد أن مشاركة المرأة قد تضيف عنصر الاختلاف في المجلس أو تزيد منه بحكم أنها تحمل فكرًا جديدًا قد يتقبله بعضهم وقد يرفضونه.. وهل نتوقع قيام المرأة بطرح قضاياها في المجلس مثل قيادة السيارات أو الوكيل في الأمور التجارية؟ مها فتيحي: أول القضايا التي أتمنى طرحها هي أن يفسروا لي قوله تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا» وأتمنى معرفة كلمة «تعارفوا» لأن المجتمع الذي لا يتعارف ذكره مع أنثاه في تنمية المجتمع بحاجة إلى مراجعة فكره. لا أوافق على أن دخول المرأة إلى مجلس الشورى الهدف منه هو مناقشة قضايا بعينها خاصة بالمرأة. مؤسسات المجتمع المدني في غالبية دول العالم تقودها النساء وتقوم بكل أدوارها. المشاركة الرجالية في هذه المؤسسات قليلة جدًا لأن أدوارها كما ذكر الإخوة الأفاضل اهتمامات تربوية في المقام الأول وتهتم بها المرأة أكثر والله تعالى خلق لها خصوصية تدفعها للاهتمام بالقضايا التربوية التي لا تراها إلا هي. لا أحب استخدام كلمة خصوصية لأن البعض أراد منها أن يكون مكان المرأة هو المنزل دون الاستفادة منها في تنمية المجتمع أو في التشريع. القضايا التي يمكن أن تطرح من بينها القضاء لأن كثيرًا من الأنظمة في المحاكم بها كثير من الظلم ولا يستطيع الرجل أن يدخل في دهاليزها. المرأة تعاني من مشكلات كثيرة في سبيل الحصول على ورقة طلاق على سبيل المثال. الله تعالى أعطى الرجل حق الطلاق وأعطى المرأة حق الخلع. إذا كانت لا تريد هذا الرجل فماذا يمنعها إذا ردت إليه ما أخذته منها. لدينا أكثر نسبة طلاق في العالم. هل إعطاء هذا الحق للرجل قلل من نسبة الطلاق لدينا؟ بالتأكيد لم يحدث هذا. من الذي يستطيع تقرير هذه الحقائق؟ المرأة بالطبع. من القضايا التي ستهتم المرأة بطرحها التخصصات الجامعية التي لا تزال تحدد في قسم البنين. المرأة لا تتمتع بمسمى عميدة جامعة إلا في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض، أما في بقية الجامعات يسمى «شطر الطالبات» وعميدة شطر الطالبات ليس لها صلاحيات وعليها العودة في كل شيء لقسم البنين. حتى التخصصات تطرح في البداية في قسم التطوير التربوي بقسم البنين. إذا كنا بحاجة إلى قسم خدمة اجتماعية فهو يوجد فقط في جامعة الملك فيصل. من مصلحة المرأة في المجتمع أن يتم افتتاح أقسام للخدمة الاجتماعية وقسم لأمراض التخاطب وقسم للعلاج الوظيفي. هذه كلها تخصصات غير موجودة. للمرأة أدوار كثيرة في السابق وهن قدوة حسنة لنا. من أشارت على الرسول صلى الله عليه وسلم هي أم سلمة، ومن قالت لعمر رضي الله عنه أخطأت هي امرأة ومن كانت مع هارون الرشيد هي امرأة. وجود المرأة لا يقتصر على قضية معينة بل يتسع. النظرة للأمور لا ينبغي أن تكون حكرًا على الرجل من دون المرأة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». نظرة الرجل والمرأة تشكل العلم الكامل. أما نظرة أحدهم دون الآخر فهي نظرة ناقصة بحاجة إلى إكمال. من قضايا المرأة موضوع الوكيل. وزير التجارة أكد حذف شرط الوكيل وعندما تأتي المرأة أمام مكاتب التجارة تجد أن الموظف غير مقتنع بذلك. هذا قرار ينبغي أن يلتزم به الجميع وتتم محاسبة من لم يلتزم ومعاقبته. كذلك فإن المبلغ الذي تناله المرأة في الضمان الاجتماعي لم يفارق حد الكفاف. إذا أرادت المرأة أن تستأجر بيتًا وتستقل مواصلات وتنفق على أكلها وشربها، كم تحتاج؟ هل تكفي الآلاف الثمانية التي تنالها من الضمان الاجتماعي؟ لا أعتقد أن مصاريف المرأة قد تقل عن 5 آلاف ريال في الشهر. ماذا إذا كانت مطلقة أو أرملة لها أبناء تقوم بتربيتهم فهل تستطيع أن تتركهم لتعمل حتى تستطيع أن تعولهم وتربيهم؟ القضايا كثيرة وليست هامشية. من لا يرى التكامل بين الرجل والمرأة في البيت والشارع والمجتمع هو الشيطان لأنه ضد هذا ولا يريد أن يكون هناك اكتمال في مجتمعٍ ما. التحول الحضاري هو الذي قام به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم. تسطيح وتهميش * المدينة: كيف ترى شكل المشاركة النسائية المرتقبة في المجلس وهل نتوقع أن تكون نصف عضوية المجلس من السيدات وهل ستكون المرأة عضوا فعالا أم أنها ستبقى مجرد عضو هامشي؟ د. عبدالمحسن: كل ذلك يعتمد على رغبة ولي الأمر؛ لكني شخصيًا لا أتوقع أن يتجاوز عددهن 10 أو 20 عضوًا وسيتم توزيعهن على اللجان. لدي تعليق على ما ذكرته الأخوات مها وآسية حول ثقافة الانتخاب، فكيف نفعل هذه الثقافة. لا بد من وجود ثقافة المحاسبة. طبيعي أن أمر بتجربة أو تجربتين في الانتخابات وتفشلا، لكن إذا استطعت تفعيل مبدأ المحاسبة بحيث يحاسب كل من تم تعيينه أو اختياره بصورة علنية، حتى لو لم يكن في الصحف. لا بد للصحافة من متابعة عملية الانتخابات برمتها، وأن تقارن بين ما يتم إعلانه من قبل المرشح وما قام بإنجازه. حتى لا يتمكن المرشح من الكذب على من انتخبوه ولا تتم محاسبته على كذبه. إذًا كيف نرسخ ثقافة الانتخابات إذا لم نقم بترسيخ مبدأ المحاسبة؟ بالنسبة للتحفظات التي ذكرها الأخ فإن البعض ادعى عدم جواز ولاية المرأة. هؤلاء أنفسهم تحفظوا على إنشاء مجلس الشورى في السابق وبالتالي أفرغوا مفهوم الشورى من كل معانيه. لكن هناك آخرون قالوا إن من حق المرأة أن تستشار. بجانب ثقافة الانتخابات هناك ثقافة التعددية ويا ليتنا نتمكن من تقبل الآخر حتى نتمكن من قبول رأي الآخر. إذا كنت ترى أن وجه المرأة عورة فقد لا يراه آخر كذلك. بمجرد أن صدر الأمر الملكي العظيم بإدخال المرأة في المجلس ذهبنا للتفاصيل وانشغلنا بقضايا مثل أين تجلس وماذا ترتدي وكيف ستشارك هل ستجلس داخل المجلس أم تشارك عبر دائرة تلفازية، ودخلنا في متاهات عجيبة. هذا تسطيح وتهميش للموضوع. افتقاد روح المبادرة * المدينة: نصف أعضاء المجلس البلدي بالتعيين ونصفهم بالانتخاب فهل ستدخل المرأة عن طريق الانتخاب أم ستأتي بالتعيين وإذا تم تعيينها هل سيفهم من ذلك أنه تحدٍ لإرادة المجتمع؟ جميل فارسي: الدولة لدينا هي التي تبدأ بالمبادرة فهي التي أرست تعليم المرأة والمفروض أن تسعى الدول لإتاحة الفرصة للأفراد لإفادة المجتمع سواء عن طريق مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المختلفة لتدعيم الأفكار الجيدة. لا ينبغي أن يقال إن الشعب غير مهيأ لقضية انتخاب المرأة، كيف عرف هؤلاء ذلك؟ لا توجد لدينا إحصاءات أو معلومات أو أبحاث. لو أتيح في وسائل الإعلام الحديث بحرية عن ضرورة مشاركة المرأة فلن يجرؤ أي شخص على توقع هذا الأمر إلا بعد صدور الأمر الملكي. هذا يدل على أن علماءنا ومثقفينا ينتظرون المبادرة من الدولة وهم يفتقرون إلى روح المبادرة وماتت هذه الروح لدى العامة. ينبغي على وسائل الإعلام أن تشجع الناس على المبادرة وطرح الأفكار الجديدة. وأتمنى على مجلس الشورى القادم بعد دخول المرأة إليه المبادرة بالإسراع في سحب نظام مؤسسات المجتمع المدني الذي أودع لدى المجلس. يجب ألا يكون هناك نظام لمؤسسات المجتمع المدني. هذه المنظمات عليها الإشهار وليس الاستئذان. لا يمكن أن يستأذن مجتمع سليم السلطة أو الجهات التنفيذية بأن يأذن لها في خدمة المجتمع. خدمة المجتمع لا يلزمها إذن بل تحتاج إلى إعلان لأن هذه المنظمات ينبغي أن تعمل تحت الشمس وألا يكون هناك جانب خفي أو سري. يكفي لأي مؤسسة مدنية أن تخبر الجهاز التنفيذي عن عنوانها وأسماء أعضائها وأرقام هواتفهم وأهدافهم. أما الاستئذان فغير موضوعي. إذا ارتأت مجموعة ضرورة مكافحة الإعلانات المبتذلة في التلفزيون أو تكافح التدخين فلماذا تستأذن الدولة في ذلك؟ طالما اجتمع هؤلاء في مكان معلوم لا يلزمهم الاستئذان. لذلك أتمنى سحب هذا المشروع فورًا. معايير ضامنة المدينة: البعض يرى وجود قلة في الكوادر النسائية التي يمكن أن تمثل المرأة في مجلس الشورى؟ مها فتيحي: مجتمعنا بطبيعة بنائه كرَّس وجود المرأة في مجالي الصحة والتعليم. بالفعل هناك قلة في الكوادر النسائية في مجالات أخرى وهن أقل بكثير ولا يقارنون بالكوادر الرجالية. هذا واقع لا بد من التعامل معه. بالطبع لن يكون هناك تمثيل المرأة في كل المجالات مثلما هو متاح للرجل. نظرة الملك عبدالله هي نظرة تنموية بحتة وفي محلها. مررنا في المجتمع بطفرة تاريخية في السبعينيات وتعاملنا معها. اليوم من المفروض ألا تمر هذه الطفرة إلا بعد أن يكون هناك استثمار في الفرد الذي لا نراه حاليًا بالصورة المطلوبة. لا بد من وجود تهيئة لذلك حتى نصل لمجتمع تكون به حقوق أكثر لأفراده ويكون به معنى حقيقي للمواطنة. والسؤال: ما الأشياء التي لا بد من التركيز عليها؟ أول شيء هو مشاركة المرأة في المجتمع. المشاركة تلزمها قرارات كثيرة مصاحبة لهذا القرار حتى يتم تفعيله. عالميًا وحسب معايير الأممالمتحدة والبنك الدولي هناك معايير معينة لضمان الاستدامة وهي مشاركة المرأة في صناعة القرار، ومشاركتها كذلك في صناعة القرار في القطاع الخاص وألا تكون مجرد أعداد نساء يتم توظيفهن بل تكون صانعة قرار تنظر إلى مصالح الناس. المعيار الآخر هو تهيئة وفتح مؤسسات القطاع المدني للمرأة لتفعيل القرار بتهيئة المرأة وتدريبها وعمل دراسات وأبحاث والنظر إلى أكثر المجالات التي تحتاج وجود المرأة وكيفية الدخول على أنظمة التعليم العالي والتربية وإدراك أماكن القصور حتى نحصل على المرأة المطلوبة بالأعداد الكافية التي تساهم في عملية بناء المجتمع. من المعايير كذلك عدد النساء اللاتي يعملن في التقنية. لا بد أن نتعلم من المجتمعات المحيطة بنا والتي سبقتنا والمجتمعات الخليجية التي بها حراك نسوي كبير. لا وقت للانتظار جميل فارسي: هل يعقل أن المرأة كلها من شرقها إلى غربها لا توجد بها 50 امرأة ذات كفاءة قادرة على الإدلاء برأيها لولي الأمر؟ لا ينبغي التحجج بحجج غير منطقية. لا ننسى أننا طيلة الفترة الماضية لم نمنحها مناصب قيادية ولم نمكنها من المشاركة في صناعة القرار ونأتي الآن ونضعها فجأة في مجلس الشورى ونتوقع منها أداءً فاعلًا. هل نحن مستعدون وهل لدينا الكوادر الكافية؟ ولكن إلى متى نظل في انتظار؟ إذا نظرنا إلى الشعوب الإفريقية سنجد هناك برلمانات تأتي عن طريق الانتخابات وكذلك الأمر في آسيا وأمريكا الجنوبية. هذه المجتمعات بها عنصر محاسبة نيابية لأن كل واحد يدرك بوجود مسؤولية وراءه. إلى متى ننتظر؟ افتراض خاطئ آسيا آل الشيخ: قلة الكوادر النسائية في رأيي هي حجة العاجز وهي افتراض غير صحيح. لا توجد لدينا إحصاءات عن عدد الكوادر النسائية وقد نفاجأ بكم هائل منهن. الأمر الآخر ما معيار الكادر الشوري. الرجال الذين عملوا في مجلس الشورى هل كانوا مهيئين من قبل للعمل فيه؟ هؤلاء دخلوا في ظروف مشابهة. ولكن الرجال بشكل عام كانوا مديري جامعات ووزراء ووكلاء وزارات، أما المرأة فلم تعمل في مثل هذه المجالات، لا بد من خطوات تصحيحية. في الأردن مثلًا استخدموا نظام الكوتا لفرض نسبة معينة من النساء. هذه من خطوات المعالجة. إذا نظرتم إلى الجمعيات النسوية المخصصة لإعداد المرأة في المناصب القيادية فسوف تفاجأون.
أدار الندوة : فهد الشريف المشاركون في الندوة : آسيا آل الشيخ – مستشارة في مجلس الشورى، وسيدة أعمال جميل فارسي – رجل أعمال، وشيخ الجواهرجية في محافظة جدة د. صدقة فاضل – عضو مجلس الشورى، وكاتب سياسي د. عبدالمحسن هلال – أكاديمي وكاتب سياسي مها فتيحي – سيدة أعمال، ورئيسة جمعية المرشدات السعوديات