نقلت «الحياة» مطلع الأسبوع خبر زواج «تسعيني» من طفلة تبلغ من العمر 15 عاماً، وأكد مقربون من العائلة أن الطفلة اصيبت بالذعر ليلة الزفاف، وأغلقت على نفسها الباب يومين ثم عادت إلى منزل أهلها، فقرر الزوج مقاضاة الأسرة لأنه تعرض لحالة نصب! اللافت في الخبر ليس زواج «التسعيني» من القاصر فقد تكرر كثيراً في الإعلام، كخبر زواج ما يقارب ستة آلاف فتاة قبل بلوغ 14 عاماً، بل هو رفض القاصر الاستسلام لهذا الزواج. لا نعرف ما يمكن أن تؤول إليه نتائج هذا الرفض، فيحتمل أن تتعرض للضرب حتى تذعن، أو تجبر على العلاقة الجسدية فتتحول إلى عملية «اغتصاب»، أو تصبح مُعلقة إذا أصر الزوج على استرداد المهر، وامتنع الأهل عن ارجاعه، وجميع الاحتمالات واردة لتجعل من هذه القاصر ضحية لعنف أسري بدأ بسوء استخدام الولاية وتزويجها برجل في سن جدها! مبتعثة تتعرض للضرب والخنق معتبرة ما تعرضت له «شروعاً في قتل» هي وابنها من زوجها السعودي في أميركا. قررت مقاضاته، ونقل تفاصيل قصتها عبر حسابها في «تويتر» حتى تحفظ حقها في نقل الحقيقة. اللافت في الخبر هو قرار الفتاة باللجوء إلى القضاء الأميركي، وما جره عليها من تبعات كقطع الابتعاث عنها، وما يمكن أن تفرضه عليها الظروف كالبقاء بعيدة عن عائلتها، وربما عدم استطاعتها العودة إلى البلاد نهائياً خوفاً من العواقب لأنها ما زالت «زوجة المُعنِف» وتخضع إلى ولايته، أو ولاية والدها في ما بعد، والذي قد يكون أو لا يكون داعماً لقضيتها، وسيناريوهات أخرى محتملة قد تسلبها حريتها، وتُحرر من عنفها! في السياق ذاته كشفت دراسة صادرة عن اللجنة النفسية بالغرفة التجارية بجدة، عن هرب 1400 فتاة خلال عام تتراوح أعمارهن بين 20 و 30 عاماً بسبب العنف الأسري. وهو ما توضحه قصة ابنة 16 ربيعاً، التي وقفت عليها مجلة «لها»، لتحكي تنقلها بين دور الحماية في الشؤون الاجتماعية بعد هربها من أهلها، وتعرضها للاغتصاب، ثم تسليم نفسها إلى الشرطة جراء ما كان يمارس عليها من تعذيب وضرب، ولم تحل قضيتها حتى اليوم! ما يجمع بين القاصر، والمبتعثة، والهاربة هو قرار اتخاذ موقف تجاه ما يمارس عليهن من عنف أسري سواء بوعي كامل وقرار ناضج، أم برد فعل تلقائي من دون تفكير، وسواء بأساليب مشروعة أم غير مشروعة، وبغض النظر عن النتائج. كلها خطوات للتخلص من واقع فرض عليهن، وبداية رحلة للبحث عن حقوق مهدرة ومنتهكة تأتي كنتاج طبيعي لزيادة وعي الفتاة ورفضها لقبول ممارسات عنف واستبداد. وإن كانت أعداد المستعدات لتحمل تبعات وعواقب هذا الرفض قليلة نسبياً اليوم، إلا أنها ستزداد، فما كان مقبولاً قبل عقد من الزمن لم يعد مقبولاً اليوم، وهذا ما ترن به صرخات صاحبات القصص التي نسمع عنها ب«كفى» لن أقبل، ولن أسكت. ففي ظل غياب آلية محددة للتعامل مع قضايا العنف الأسري بشكل عام، وعدم توفير بدائل آمنة، وتأخر صدور وتطبيق نظام الحماية من الإيذاء، وغياب محاكم ومدونة للأسرة، واستمرار السلطة المطلقة «لولي الأمر» التي تمكنه من سوء استخدامها، وعدم تحديد سن الزواج أو تجريم زواج القاصرات، يلح السؤال : كيف سيتم استيعاب مشكلات العنف الأسري وتبعاته؟ فما زالت قضاياه تعامل من منطلق درء المفاسد المقدم على جلب المصالح الذي غالباً لا يكون في مصلحة الأنثى. فهل سمعنا عن عقوبة رادعة لزوج ضرب زوجته، أو أب باع طفلته لعجوز «بعقد زواج»، أو آخر عضل ابنته أو شقيقته؟ وهل استطاعت دور الحماية توفير السلامة، وملاذ آمن للفارات من العنف؟ [email protected]