بدأت الحكومة المغربية أمس تنفيذ الموازنة التي صادق عليها مجلس النواب في قراءة ثانية، وسط توقعات بتحقيق نمو نسبته 4.5 في المئة وتقليص عجز الخزينة إلى 4.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما تجاوز ستة في المئة في الموازنة السابقة التي سجّل النمو فيها ثلاثة في المئة فقط، بانخفاض 1.5 نقطة عن متوسط النمو المعتاد. وتقدر الموازنة الحالية ب358 بليون درهم (42.5 بليون دولار)، 40 بليوناً منها لخدمات الدين الداخلي والخارجي. وأوضح وزير المال والاقتصاد نزار بركة أن «الوضع الإقليمي والدولي لا يخدمان المغرب، خصوصاً الأزمة الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي، واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية التي ترتب عجزاً في ميزان المدفوعات الخارجية يقدر بثمانية في المئة من الناتج». واعتبر أن الرباط فضلت صيغة وسطى بين التقشف في المصاريف، على غرار التجربتين الإسبانية والإيطالية، أو زيادة النفقات الاستثمارية بما قد يرفع عجز الخزينة ويزيد المديونية التي تجاوزت 60 في المئة من الناتج المحلي، بعد اللجوء إلى السوق المالية الدولية للحصول على قروض سيادية ب1.5 بليون دولار نهاية العام الماضي، في حين زادت الديون 12 في المئة خلال ثلاث سنوات. الاستثمارات الحكومية وستتراجع الاستثمارات الحكومية ثمانية بلايين درهم هذه السنة إلى 180 بليوناً، بينما سترتفع العائدات الضريبية بالقيمة ذاتها بعد الرسوم والجبايات وفرض ضريبة إضافية على الأجور التي تتجاوز 360 ألف درهم سنوياً. وأكدت الحكومة أن هذه الإجراءات تساهم في تحقيق نمو تضامني في ظل الاستقرار والتحكم في الحسابات الماكرو اقتصادية، وضبط احتياط العملات الصعبة، والحد من ارتفاع الديون، وتشجيع الاستهلاك وتوفير مناخ مناسب للاستثمار. ولفتت إلى أن خطتها تتضمن تقوية آليات التضامن الاجتماعي والجغرافي مع الحفاظ على القدرة الشرائية والاهتمام بالفئات الفقيرة والمناطق المعزولة، ما يمثل صمام أمان من اجل نمو مستدام مشروط بالاستقرار والسلم الاجتماعي. وستنفق الحكومة 53 بليون درهم على قطاع التربية والتعليم ونحو 13 بليوناً على قطاع الصحة، وأربعة بلايين على السكن الاجتماعي للفئات الفقيرة والمتوسطة الدخل، كما ستستثمر الشركات الحكومية 114 بليون درهم والبلديات 12 بليوناً، إضافة إلى توظيف 24 ألفاً من الخريجين. ورأى محللون أن الموازنة ستكون اختباراً صعباً لحكومة عبد الإله بن كيران التي يشكل الإسلاميون نصفها، والتي وعدت بتحقيق نمو نسبته 5.5 في المئة خلال السنوات الأربع المقبلة مع تقليص عجز الموازنة إلى ثلاثة في المئة عام 2016، وخفض معدلات بطالة الشباب من 10 إلى ثمانية في المئة، وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى ثلاثة آلاف درهم شهرياً. وكان بعض المبادرات الضريبية، مثل زيادة أسعار المحروقات وارتفاع الأسعار الغذائية، أثار حفيظة الفئات الفقيرة والمتوسطة التي وجدت أنها تفقد قدرتها الاستهلاكية، في وقت عجزت الحكومة التي رفعت شعار محاربة الفساد، عن انتزاع مزيد من الضرائب من الفئات الثرية وتلك التي تستفيد من الامتيازات واقتصاد الريع. وتراهن الحكومة على موسم زراعي جيد يؤمن تسعة ملايين طن من الحبوب الرئيسة، واستقراراً في عائدات السياحة والتحويلات الخارجية، وارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية والتدفقات المالية، واعتدالاً في أسعار المواد الأولية في السوق الدولية، إلى جانب تراجع الصراعات الإقليمية، ما يزيد فرص منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جلب الاستثمارات الدولية، خصوصاً إذا وجدت الأزمة الاقتصادية العالمية طرقها إلى الحل في السنتين المقبلتين.