اعتبر مثقفون أن ما حدث مساء الثلثاء الماضي في نادي جدة الأدبي سلوك مشين، بخاصة أن المجتمع السعودي كما قالوا ل«الحياة» يعيش زمن حوار الفكر بعيداً عن شخصنته. وأضافوا أن ما حدث يدفع إلى التساؤل: لماذا تكون الثقافة دائماً الجدار القصير، الذي يحاول أن يتطاول عليه من يصنفون أنفسهم بطلبة العلم أحياناً والمحتسبين حيناً آخر؟ وأكد بعضهم أن موقف رئيس النادي الدكتور عبدلله السلمي مما حدث كان مرتبكا، وكذلك موقف بقية أعضاء مجلس الإدارة. وأوضح هؤلاء المثقفين أن مشاركة الدكتور محمد آل زلفة، هي السبب في توافد المحتسبين على النادي، غير أنه أعتذر عن الحضور. وقال الدكتور ياسر مرزوق إن ما حدث في النادي الأدبي «هو سلوك مشين». وأضاف مخاطباً المحتسبين الذين حضروا: «تعالوا إلى كلمة سواء»، معتبراً أن «هذه الفوضى لا تليق بنا، ولا يقبلها عقل ولا منطق. وأتوقع أنا شخصياً أننا تجاوزنا هذه المسألة، وآن الأوان لنقول يكفي هذا التحجير على المرأة، فلما لم يجدوا آل زلفة بعد أن اعتذر، توجهوا إلى النساء في أماكنهن المعتادة. الأمور لا تدار بهذه الفوضى». وأوضح الدكتور زيد الفضيل أنه وفقاً لأدبيات نادي جدة «التي تعودنا عليها وتؤمن بالرأي والرأي الآخر، أستطيع كمثقف وعضو جمعية عمومية أن أرحب بكل من لديه فكر، فالنادي هو قلعة لأصحاب الفكر، وهو يكفل لكل إنسان الحرية في أن يقول ما يشاء، ضمن الضوابط الأخلاقية والقانونية العامة». وأشار إلى أن ما حدث، «أي اشتراط البعض من أجل الوجود في القاعة، خروج النساء يعتبر من الشطط». وقال إن المجتمع لم يعد يقبل هذا ونحن في الألفية الثالثة بكل ما فيها من متغيرات. هذه آراء إلغائية للآخر، وقال عضو مجلس الإدارة في «أدبي جدة» ومدير الندوة التي شهدت ما حدث من المحتسبين عبدالعزيز قاسم: «شخصياً أشكر النساء على هذا التصرف، بأن أبدوا احتجاجهم بهذه الطريقة، لقد غادر أولئك بلا ضجيج، بعد أن فشلوا في إقناع الأخوات بالخروج». أما القاص والكاتب عمرو العامري، فقال إن المخيف أن يكون الموضوع «أبعد من قضية احتساب، هناك تنظيم واضح، شيخ يحيط به طلبة صغار السن يحتلون الصفوف الأمامية، دون أدنى درجات التأدب لمن هم أكبر منهم سناً. ينهض الشيخ فينهضون، يخرج فيلحقون به، يعقدون نقاشات جانبية يتبادلون رسائل جوال ويقررون ما يفعلون، غارة البارحة لم تكن من أجل وجود النساء، الغارة كانت من أجل الدكتور آل زلفة، الذي أحسن حين أعتذر، فلا كرامة ولا هيبة لهذه المؤسسات الثقافية، وقد جاء هؤلاء لتهديد وإفشال الأمسية، وقد انسحب جلهم، بعد أن تأكد لهم غياب الدكتور آل زلفه، وسط تهديدات ووعيد». ولفت إلى أن ما تلفظ به بعضهم على النساء «جارح وقد يسألون عنه شرعاً». واعتبر عمرو العامري أن موقف رئيس النادي الدكتور عبدالله السلمي «كان مرتبكاً، أيضاً بعض أعضاء مجلس الإدارة كان مرعوباً وتبريرياً، لكن تحية إكبار وإجلال للسيدات اللواتي رفضن المغادرة». وأكدت الدكتورة فاطمة إلياس إنها لاتستغرب ما حدث، وقالت: أتوقع الأسوأ لو سكتنا على صلف هؤلاء، وأتمنى أن تتدخل وزارة الثقافة لحماية منشآتها ومؤسساتها التنويرية، التي بات الطامعون فيها يطمحون إلى تحويلها إلى أماكن منغلقة لتنسجم مع تطرف أفكارهم، انطلاقاً من رغبتهم في السيطرة على ثقافة المجتمع وتوجيه أفراده ب «ريموتاتهم» المشحونة بأفكار بالية. ليس بمستغرب على هؤلاء من محتسبين متحمسين أو من يوجههم من أصحاب الفكر المتشدد والمتخصص فقط في المرأة، ما داموا قد نجحوا في اقتحام مؤسسات المجتمع الأدبية والإبداعية من بوابة الثقافة، التي ولج من بوابتها كل من هبّ ودبّ. ويأبى هؤلاء إلا أن يوجهوا سهام ضغينتهم لكل من يخالفهم من أصحاب الفكر الوسطي وثقافة الاعتدال. أما مطيتهم السهلة فهي المرأة. وما غزوات معرض الكتاب ومؤتمر المثقفين وغيرها، إلا خير شاهد على أضرار هؤلاء، من خلال محاولات فرض وصايتهم على المجتمع». وأشارة إلياس إلى أنها تحترم رأيهم، «ولهم أن يطبقوا ما يريدون على أنفسهم وداخل أروقتهم المحصنة، ولكن ليس من حقهم أن يأتوا إلينا في مؤسساتنا الأدبية التنويرية ويسفّهوا المنتمين إليها. فليبقوا في ثكناتهم الذكورية بعيداً عن المرأة! والمشكلة أن معظم من يعارض وجود المرأة في المؤسسات الثقافية هم من المهووسين بها مثنى وثلاث ورباع! وكان نادي جدة الأدبي نظم ندوة بعنوان: «النخب السعودية وقضايا التغريب» أخيرا، كان يفترض أن يشارك فيها الدكتور محمد آل زلفة الذي اعتذر، والداعية الدكتور محمد السعدي، وقبل بدء السعيدي في محاضرته، قام كل من الداعية الدكتور فوزي الصبحي والداعية عطية الزهراني رئيس هيئة الأمر والمعروف بجدة سابقاً، بالاعتراض على وجود عدد من المثقفات في ركن قصي من القاعة، أي المكان الذي تعودن الجلوس فيه سابقاً. وخرج الصبحي والزهراني، ثم عقدا اجتماعاً خارج القاعة، ولحق بهما محمد السعيدي، وقالا له: «أعذرنا يا شيخ لن نبقى حتى يخرجن من القاعة»، فذهب السعيدي لمخاطبة السيدات، محاولاً إقناعهن بالخروج من القاعة، فردت إحداهنّ قائلةً: «أين المشكلة في وجودنا هنا؟ كما أن والدي موجود معي في القاعة نفسها، وهو من قال لنا اجلسوا هنا». فما كان من السعيدي إلا أن عاد ثانية لإبلاغ الصبحي والزهراني بما قلنه السيدات، فلم يرق لهما ما سمعاه، لذلك خرجا ولحقهم بهم عدد من المحتسبين الشباب.