يستطيع اتحاد المصارف العربية، أن يرسم، بعد انقضاء أكثر من نصف السنة الحالية، وبعد نشر البيانات المالية النصف السنوية للمصارف العربية، صورة أكثر وضوحاً عن الشوط الذي اجتازته هذه المصارف في مواجهة الأزمة، ورؤيتنا لكيفية التعامل معها خلال المرحلة المقبلة.ويُلاحظ ابتداء أن الديون المتعثرة للمصارف العربية لا تمثل سوى واحدٍ في المئة من قيمة محافظ التمويل، منذ بداية أزمة المال العالمية، فيما شهدت أصولها ازدياداً وتحسنت أرباحها في النصف الأول من السنة الحالية. وما يثير الارتياح أيضاً، أن جميع المصارف العربية تقريباً التزم الحذر في تجنيب المخصصات والاحتياطات الملائمة والضرورية، وجعلها كأنها أولوية إلى جانب تعزيز وضع السيولة لديه. وهذا في ذاته يعكس نظرة بعيدة الأجل في الحفاظ على مصالح المساهمين والمودعين والعملاء، بدلاً من التشبث في إظهار الأرباح العالية. إن مدى تأثر المصارف العربية يعتمد على نموذج العمل المصرفي الذي تتبناه، كلما التزم النموذج بالمبادئ المصرفية السليمة والأعمال المصرفية التجارية والاستثمارية الحقيقية، قل تأثره بتداعيات الأزمة. لذلك، نود التأكيد على ضرورة عودة المصارف العربية والإسلامية إلى جذور العمل المصرفي والمالي، بخاصة الانخراط في برامج التنمية في بلدانها والبلدان العربية والإسلامية بكل فاعلية. فالقطاع المصرفي العربي استطاع خلال العقدين الأخيرين أن ينمّي قدراته المالية وموارده البشرية وإمكاناته التكنولوجية وخبرته، بغية تحقيق المنافسة على الصعيد العالمي. وبات القطاع المصرفي العربي يحتل أيضاً موقعاً مهماً وأساسياً في الاقتصاد العربي، انطلاقاً من دوره الأساس في تمويل الإنتاج والتجارة والاستثمار. وعليه، فإن قطاعاً في مثل هذه الأهمية والتجارب والعمق، لا بد من أن يتحول إلى قاطرة لإنعاش الاقتصادات العربية، فيجب عليه أن يفتح أبوابه على هذه الاقتصادات، وعلى الحكومات العربية بدورها أن تفتح أبواب اقتصاداتها أمام المصارف العربية، وهذا ما نتطلع إليه ونعمل على تحقيقه. ونؤكد أيضاً أن القطاع المصرفي العربي بات يمثل قوة مالية واقتصادية قوية ومتنامية، بحيث حقق معدل نمو قدره 30 في المئة خلال 2008 ليبلغ مجموع موجوداته نحو 2.3 تريليون دولار. لذا أمام المصارف العربية فرصة لاغتنام ما تمتلك من مكامن القوة، خصوصاً أن البلاد العربية في حاجةٍ ماسة للتنمية والتكامل في ظل هذه الأوضاع، ما يتيح تنمية الثروة العربية وتوطينها في الأرض العربية مع بذل جهود خاصة في مجالات تنمية وتوسيع رقعة المشاريع العربية المشتركة في المجالات الاقتصادية، بخاصة المشاريع الزراعية والطاقة البديلة المتجددة وتحلية المياه وتوطين التكنولوجيات الخاصة بالمنطقة. ونؤكد أخيراً هذه المبادئ، فنأخذ في الاعتبار أيضاً المؤشرات الاقتصادية والمالية الإقليمية والعالمية التي برزت خلال الأسابيع الماضية، ومنها ارتفاع أسعار النفط وتحسن بيانات البطالة الأميركية وبيانات الصادرات الألمانية وتعزز مكاسب أسواق المال مع إعلانات جيدة للأرباح من قبل مؤسسات عملاقة عديدة، وهذه كلها مؤشرات يجب أن تمثل حافزاً لنا جميعاً لمواصلة الجهود وتعزيزها حتى نرى نهاية للأزمة. * رئيس اتحاد المصارف العربية