أعلن رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ يومين أن الحاجة أصبحت ماسة لإدخال عنصر النساء في طاقم الهيئة. وإن كان صحيحاً ما سمعته فإن هذا القرار يأتي كنوع من الحصار الذي يلاحق وزير العمل في تطبيقه قرار مجلس الوزراء الذي يكفل للنساء العمل في محال بيع الملابس الداخلية النسائية، فالتصريحات التي صدرت عن هيئة الأمر بالمعروف تقول إنها غاضبة لأن وزير العمل لا يرد عليهم منذ سبعة أشهر، لأنهم يريدون التخطيط معه في هذا الشأن، ونتيجة عدم رده، على ما يبدو، قرروا أن يجهزوا له فرقاً نسائية تقتحم عليه المحال وتفتشها. غرابة هذا القرار تأتي من كون «الهيئة» التي تقرر اليوم أن تستعين بنساء ضمن طاقم عملها هي نفسها التي وقفت ضد توظيف النساء في محال بيع الملابس الداخلية النسائية، وضد عملهن محاسبات في المراكز التجارية، بحجة أنه عمل يؤدي إلى الاختلاط ويعرّض النساء للفتنة. لكن الأغرب من هذا هو توصيف القرار بأنه نزول عند «الحاجة الماسة» التي دعت لتعيين نساء يمشين في الأسواق ويدخلن في المحال النسائية، في حين لم تحرك «الحاجة الماسة» المسؤولين عند سماعهم صرخة امرأة قالت لمذيع برنامج تلفزيوني «أريد طعاماً ولو لحم حمار»، ولم تستطع الحاجة الماسة أن تقنع رئيس الهلال الأحمر كي يوظف نساء مسعفات، لأن بحسب قوله «الاختلاط ممنوع»، كما تم تجاهل الحاجة الماسة في تعيين النساء في المحاكم محاميات ومرشدات أسريات ومحققات هوية وكاتبات عدل، واضطرت كل امرأة أن تحضر معها رجلين أمام القاضي يعرفانها، لأن القاضي لا يريد أن ينظر إلى بطاقتها المدنية متجاهلاً الحاجة الماسة. وكذلك غابت الحاجة الماسة في التخطيط ل1.7 مليون امرأة في قائمة «حافز» للباحثات عن عمل والمطالبات بمعونة بطالة، وثلثهن من حملة الشهادة الجامعية، فبعض المشايخ يعلنون صراحة في أحاديثهم عبر الفضائيات أنهم لا يرون مكاناً مناسباً للمرأة إلا منزلها، ولا مبرر لخروجها إلا للضرورة القصوى، وهكذا فإن على 9 ملايين أنثى في السعودية أن يتوقعن أن يعولهن 9 ملايين رجل. حتى ولو كان بعضهم عاجزاً عن إعالة نفسه. يبدو أن الهيئة لا تريد أن تكتفي بالوقوف على أبواب الجامعات النسائية وفي وسط المحال التجارية وعلى أبواب محال التجميل ومحال التصوير النسائية، فحراسة الأخلاق من الخارج لم تعد كافية، بخاصة في نطاق النساء، وستقتحم المؤسسات التربوية والجامعية والتجارية وكأنها تريد أن تقول إن المسؤولية الأخلاقية حصر عليها. وهنا قد تتداخل السلطات، أو تتخلى المؤسسة طائعة عن سلطتها كي تمكن الهيئة من تحقيق أهدافها بشكل أعمق. ولا تستغربوا إن شاهدتم فرق نساء الهيئة نزولاً عند «الحاجة الماسة» تدخل أعراس النساء التي تقتصر على النساء كي يضبطن قِصَر الفساتين وحشمتها، فليس كافياً أن تخضع النساء لرقابة أهلهن في المنزل، ولا بد من محكم خارجي. إن وضع الناس بصفة مستمرة تحت الرقابة وفي قبضة معايير ذات تفسير واحد لا ثاني ولا ثالث له، يجعل الإنسان خاضعاً للضمير الحكومي وليس للضمير الأخلاقي، وهذا يخلق نفسيات لا تتجاوز حدود المراهقة، تتحين فرصة غياب الرقيب كي تلهو بحسب ما هو متوافر، ولهذا يظهر كثير من شباننا في حال هياج شديد عند مشاهدته امرأة من دون أن يعرف السبب، كما حدث في مشهد صورته كاميرا طارد فيه الشبان فتاة تصادف مرورهم بها وهي في الصحراء تغطي وجهها وتقود دراجة بخارية. لم يكن الشبان يطمحون سوى إلى إثارة الغبار حولها وبث الرعب في نفسها والتمتع بتعقبها مثل طريدة، في هذا المشهد تحققت الصورة التي سعت أدبيات الوعظ الصحوي أن تصف بها شباننا كي تبرر التضييق عليهم، فحاربت دخولهم الأسواق التجارية بتهمة أن كل شاب هو «ذئب بشري» متوقع. وقد استطعنا أن نحقق طموحنا في شباننا وحولناهم إلى ذئاب بشرية، بقيت الصورة الجديدة التي سنرسمها لبناتنا كي نخلق مبرراً لمطاردتهن. الله يستر. [email protected]