حمل عام 2012 الخبر السار لدعاة السلام في العالم بافتتاح مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، الذي يحظى بقبول ودعم وتبنٍ من هيئة الأممالمتحدة، وترحيب عالمي غير مسبوق لمشروع جعل السلام والتفاهم والتعايش الخيارات الوحيد للنجاة في عالمٍ أنهكته الحروب والخطابات العنصرية والطائفية. فكرة الحوار هي سنة سعودية قديمة لم توقف مسيرتها خيبات الأمل وتعنت الفرقاء، ومن قبل أن تشهد الفكرة تحولاً نحو «أنسنة» هذا المفهوم، كانت الرعاية السعودية للحوارات السياسية عربياً وإسلامياً ورقة حل وانفراجة تلوح في نهاية النفق، أو أقله محاولة لتدارك أزمات وخلافات، يشهد على ذلك حوار الطائف بين أطراف النزاع في الحرب الأهلية اللبنانية، والمؤتمر الشعبي الكويتي «حوار جدة» إبان الغزو العراقي عام 1990، الذي شكل التفافا شعبياً حول الأسرة الحاكمة في الكويت، إضافة إلى الحوار بين حركتي فتح وحماس أوائل عام 2007 في مكةالمكرمة. أما البداية الحقيقية للحوار الفكري والإنساني، فكان في عام 2003 حينما ترجمت فكرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - ولي العهد وقتها - إلى واقع بانطلاقة الحوار الوطني السعودي، الذي التئم في العاصمة السعودية الرياض، لينطلق منها إلى المناطق كافة، ويتخذ أشكالاً مختلفة احتوت أطياف المجتمع وفئاته، وناقشت همومه ومشكلاته، واستوت فيه هموم النخبة مع العامة. كان ذلك العام نارياً وعصيباً ليس على السعودية وحدها بل في العالم بأسره، فركام 11 من أيلول (سبتمبر) لم ينجلِ بعد، والإرهاب والعنف اللذان طاولا البلاد اتخذا من خطابات دينية وفكرية حجة وسبيلاً إلى تفتيت الوطن والعبث بمقدراته، وإزاء هذه الحال لم يكن من منهاج نموذجي تعاملت معه قيادات البلاد لإدارة الأزمة سوى الحوار. وبعد أن نضج الحوار واستوى على سوقه محلياً، كان من المفيد والمبهج أن يتكرر نجاح الفكرة على نطاق أوسع، فكانت الدعوة للمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في مكةالمكرمة في حزيران (يونيو) 2008، والذي جمع حول الكعبة طوائف ومذاهب شتى، التقت للمرة الأولى يظللها راية دين واحد، فكان أن خرج الجمع بإعلان مكة والذي كان ممهداً لحوار الأديان في مدريد بعد شهر من تاريخ اجتماع مكة. ذلك المحفل العالمي كان مدهشاً واستثنائياً، مسلمون ومسيحيون ويهود وبوذيون وأتباع أديان وثقافات أخرى يجتمعون تحت سقف واحد. ذوو عمائم وقبعات وقلنسوات تحلقوا حول مائدة هذه الدعوة في مشهد سريالي فريد، وكان خطاب الاعتدال والتعايش سيداً في لقائهم على خطاب الكراهية.