انتهت الثورة، لم تنتهِ. نجحت الثورة، لم تنجح... ما زالت المسألتان محل خلاف بين الناس في اليمن. إلا أن المتفق عليه أن أحداث 2011 انتقلت تبعاتها كتركة ثقيلة، تحمّل الجميع أعباءها خلال 2012. وباستثناء معرض صنعاء الدولي للكتاب، لم تشهد صنعاء تظاهرة ثقافية بارزة خلال 2012، وعلى رغم كل المآخذ على المعرض الذي أقيم للمرة الأولى منذ 27 سنة في نادي ضباط الشرطة لأسباب أمنية، فإن الحضور الجماهيري الكبير كان دليلاً دامغاً على حاجة الناس إلى متنفس ثقافي أو ترفيهي. عقوبات القات توقفت تماماً، في «عام الثورة»، نشاطات المؤسسات الثقافية في صنعاء، والتي كانت تقام أسبوعياً قبل 2011، لتعود «خافتة» خلال 2012، إذ لجأت تلك المؤسسات المحدودة العدد إلى برامج ربع سنوية، خشية الالتزام، وربما لمحدودية موازناتها. واللافت إن تلك البرامج أتاحت مجالاً واسعاً لمناقشة القضايا السياسية والاجتماعية، وغالباً ما اقتصر الثقافي منها على حفلات توقيع الكتب أو الأمسيات الشعرية الشبابية. في المقابل، توالدت قنوات إذاعية محلية، وتلفزيونية فضائية، وجدت في الثورة وما تبعها من إشكاليات مادة إعلامية دسمة، سواء كانت في صف الثوار أو ضدهم، سواء سمّتها «ثورة» أو «أزمة». لكنها، في كل الأحوال، قدّمت البلاد في قوالب من زوايا عدة، لا سيما لمشاهديها في الخارج. أما مشاهدو الداخل، فكانوا يتابعون الأحداث مباشرة، واليأس يتسلل تدريجاً إلى نفوسهم، خصوصاً من خالوا أن الثورة ستقدم حلولاً سحرية لمشاكلهم. وبين الحين والآخر، علت أصوات البعض مطلبياً، في إضرابات متتابعة لعمال النظافة، واحتجاجات الفئات المهمشة أو الأقليات كمَن يُسمّون «الأخدام»، وتجلّت أكثر ما تجلّت في احتجاجات عديدة شهدتها السجون المركزية في المحافظات اليمنية، قوبلت بالقمع. واللافت أن «الثورة» غيّرت الكثير من السلوك الاحتجاجي للناس، وإن كان البعض ما زال يتبع وسائل الضغط مستخدماً نفوذه «على الأرض»، فالغالبية باتت ميّالة إلى «أساليب الثورة»، بنصب الخيام والاعتصام، وطبعاً مواقع التواصل الاجتماعي. وها نحن اليوم نرى مشروع قانون، يناقش تحت قبة البرلمان، لمعالجة معضلة القات تدريجاً ويضع 20 سنة سقفاً زمنياً للقضاء عليه تماماً، وذلك استجابة إلى مبادرة ناشطين تقودهم الشابة هند الإرياني، منذ أول السنة. وإذ يتضمن مشروع القانون، من ضمن مواد حازمة أخرى، عقوبات لمن يتعاطى القات أثناء الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية، إضافة إلى عقوبات لمن يدخل هذه المؤسسات من المواطنين وهو يمضغ القات، وتراوح بين غرامات مادية للمواطنين وحسم من رواتب الموظفين، فقد استطاعت المبادرة على المستوى الأهلي إقناع البعض بإقامة أعراس رجالية، من دون قات. وهذا ليس بالأمر الهيّن في اليمن، حيث يعتبر القات جزءاً مهماً من حفلات الزفاف. وتقول هند، التي تزور بيروت باستمرار وتدير حملات مناهضة القات من هناك: «الفايسبوك دعم حملاتنا إعلامياً، وساعدني، على رغم بُعد المسافة، في مسألة التواصل مع الرفاق في بلدي والعمل للتغيير، وإن خطوة خطوة». ومناهضة القات لم تكن المبادرة الوحيدة خلال 2012. فمن بين أبرزها أيضاً حملات لتجميل صنعاء، اقترحها عبر «فايسبوك» الرسام الشاب مراد سبيع، تحت عنوان «لون جدار شارعك»، وانتشرت على عدد كبير من جدران شوارع العاصمة التي شهدت مواجهات مسلحة. أراد سبيع «تجميل» وجه الحرب الذي طغى على الجدران بإبداله بجداريات فنية، ولاقت الحملة تجاوباً من رسامين محترفين وهواة، ليحمل كل من يرغب ريشة وألواناً ويتجه إلى أقرب جدار في شارعه. استمرت الحملة فترة، قبل أن تولد في ذهن مراد فكرة أخرى، اعتبرت أكثر جدية: «الجدران تتذكر وجوههم»، وهو العنوان الذي أطلقه على «فايسبوك» كامتداد للحملة الأولى، والهدف هذه المرة التذكير بوجوه «المخفيين قسراً»، بالتزامن مع مصادقة البرلمان على قانون العدالة الانتقالية، بمشاركة أهالي المخفيين وإعلاميين وناشطين وأصدقاء الرسام. يقول سبيع: «سعينا إلى التعريف بقضية المخفيين قسراً، والتي لم تكن غالبية الناس على علم بها، إضافة إلى جذب الانتباه الرسمي والضغط على الدولة. وبالفعل دعت وزيرة حقوق الإنسان أُسر المخفيين قسراً إلى التوجه للوزارة وتسجيل قضاياهم من أجل متابعتها، إضافة إلى اللجنة العسكرية المعنية بالموضوع». ويضيف: «التفتت إليهم أيضاً السلطة التشريعية، متمثلة بالبرلمان الذي دعا اللجنة المعنية بقضية المختفيين قسراً إلى العمل بعد توقف سنوات... هكذا ساهمت الحملة في استعادة اللجنة نشاطها». وبأثر من الحملة أيضاً، والتي انطلقت أواخر 2012، وجهت المفوضية السامية للأمم المتحدة دعوة إلى اليمن لتوقيع معاهدة الإختفاء القسري التي لم يوقع أو يصادق عليها اليمن قبلاً. وإذ يودّع اليمن 2012، فإن مزيداً من اليمنيين يستقبلون النشاطات المدنية بترحاب وتفاعل... وإن كان الحمل لا يزال ثقيلاً، وعلى الأرجح لن تكفيه حيوية 2013 المرتقبة.