جاء توقيع الاتفاق النهائي بين «الخطوط الجوية الكويتية» و«الخطوط الجوية العراقية» في لندن الخميس الماضي على إسقاط الدعاوى وإبطال الأحكام المتعلقة بالشركة العراقية، ليدشن مرحلة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين الكويت والعراق. ويقضي الاتفاق بتسديد «العراقية» 500 مليون دولار ل «الكويتية» في مقابل إسقاط الدعاوى التي تقدمت بها «الكويتية» ضد «العراقية» وإبطال الأحكام التي صدرت لصالح الأولى منذ تحرير الكويت عام 1991، وهي دعاوى وأحكام تتعلق بأعمال النهب والتخريب التي تعرضت لها أصول الشركة الكويتية، خصوصاً طائراتها، خلال الاحتلال العراقي للكويت. وقد تساهم هذه التسوية في معالجة المشكلات التي تعانيها «الكويتية»، خصوصاً المعضلات الهيكلية والتشغيلية، في ظل اشتداد المنافسة بين شركات الطيران في الخليج بعد نمو عدد هذه الشركات وتوسع القطاع الخاص في هذا المجال. وإذ يواجه قطاع الطيران على مستوى العالم تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الوقود وانخفاض معدلات الربحية، تفرض المنافسة بين شركات الطيران في الخليج على المؤسسات العاملة التفكير في إستراتيجيات جديدة لتحقيق نتائج مجدية. وقد يكون مفيداً أن تستثمر «الكويتية» و»العراقية» التوافق بينهما باعتماد آليات عمل مشتركة، خصوصاً بعد إتمام تخصيص «الكويتية». وأهم من التعاون بين «الكويتية» و»العراقية» تفعيل العلاقات الاقتصادية بين الكويت والعراق على أسس منهجية وتعزيز آليات التعاون. هناك أسباب عديدة للتفكير في هذا التعاون الاقتصادي، أهمها الجوار الجغرافي المتميز والعلاقات التاريخية التي أكدت التفاعل الاقتصادي بين البلدين في زمن ما قبل النفط. فالكويتيون كانوا يعتمدون البصرة مقراً تجارياً لهم وكانوا يملكون مزارع تمور، وكانت التمور المصدّرة من البصرة إلى الهند وغيرها من البلدان من أهم مصادر الإيرادات السيادية للكويت في ذلك الزمان. وأقام كثيرون من أثرياء الكويت، في ذلك الزمان، بيوتاً وقصوراً في البصرة قضوا فيها أيام الصيف الحارة. وبدأ التدهور في العلاقات الاقتصادية، قبل السياسية، بين البلدين منذ انقلاب 14 تموز (يوليو) 1958 في العراق عندما سعت الحكومات العسكرية والشمولية في العراق إلى تبني سياسات وتوجهات اقتصادية غير مواتية للعمل الحر والاستثمارات الخاصة سملت أنظمة متشددة للملكية العقارية. وعطلت فلسفة الإصلاح الزراعي التي اعتمدت منذ بداية حكم عبد الكريم قاسم، العمل في القطاع الزراعي وأدت إلى إهمال المزارعين للأرض ما أدى إلى إهمال الكويتيين من أصحاب الأملاك الزراعية أراضيهم الزراعية واعتبارها من الأصول غير المدرة للعائدات أو المغيبة. ولذلك توقفت العائدات المنتظرة من إنتاج تلك الأراضي الزراعية، خصوصاً مزارع التمور، واقتصر الأمر على جني التمور للاستهلاك العائلي والخاص. لكن العلاقات التجارية المشتركة ظلت ذات أهمية فكانت عمليات إعادة التصدير من الكويت إلى العراق أساسية حتى بدء الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980. فالعراق كان سوقاً مثالية للتجار الكويتيين المعتمدين من شركات عالمية. ونظراً إلى تمتع الكويت بتسهيلات بحرية جيدة كانت بمثابة ثغر بحرية أساسية في شمال الخليج عموماً والعراق خصوصاً. وعطلت الحرب العراقية - الإيرانية الحياة الاقتصادية في العراق وتراجع الاهتمام بالتنمية الاقتصادية. وجاء الغزو العراقي للكويت وما تلاه من سنوات طويلة من الحصار الاقتصادي إلى تراجع أهمية العراق. وبعد سقوط نظام صدام حسين تفاءل كثيرون من رجال الأعمال في الكويت وبلدان الخليج الأخرى والشركات الدولية بإمكانيات إعادة الإعمار في العراق والاستفادة من الطاقات الاقتصادية الكامنة هناك. بيد أن المعالجات السياسية وتدهور الأوضاع الأمنية بددت تلك الآمال. وعلى رغم تلك الإحباطات يظل العراق سوقاً استهلاكية مهمة، فالعراقيون يعدون 25 مليون نسمة ويمكن تحسين مستوياتهم المعيشية بفعل إيرادات النفط المتزايدة، وتمكن الحكومة من زيادة الإنفاق الجاري والاستثماري. واستفاد الكويتيون اقتصادياً بعد سقوط النظام القديم فتمكنوا من التعامل تجارياً مع العراق وإمداد القوات الأجنبية خلال السنوات الماضية، لكن تلك النشاطات لم تتطور في شكل فاعل. وواجهت عمليات الاستثمار والتي تركزت على قطاع الاتصالات وقطاع المصارف معضلات ومصاعب عديدة. ومعلوم أن العراق مدين للكويت بأكثر من 21 بليون دولار نتيجة للاقتراض السيادي خلال فترة الحرب العراقية - الإيرانية، ولا تزال هذه الديون من القضايا المحورية التي يجب حسمها في سبيل تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين. أما التعويضات المقررة من الأممالمتحدة فتُدفَع بموجب قرارات مجلس الأمن، وهي تمثل خمسة في المئة من الإيرادات النفطية العراقية، بعدما كانت 30 في المئة بداية. وهناك كثير من المقترحات المتعلقة بديون فترة الحرب العراقية - الإيرانية ومنها تحويل بعضها إلى أسهم حقوق ملكية للكويت في مؤسسات ومشاريع داخل العراق يتم تسويقها للقطاع الخاص الكويتي فتتمكن حكومة الكويت من أن تستوفي جزءاً من هذه الديون في نهاية المطاف. لكن مثل هذه الأفكار تتطلب تحديد الأعمال والاستثمارات العراقية المجدية التي يمكن تسويقها في الكويت. كذلك لا بد من التفكير في آليات لتسوية المتبقي من تلك الديون على أسس منهجية وواقعية. لا بد من طرح مسألة التواصل الاقتصادي بين البلدين ومن ذلك إقامة منطقة حرة مشتركة على الحدود بين البلدين تتمتع بتسهيلات واسعة وتجذب اهتمام المستثمرين في البلدين وغيرهما لتطوير صناعات وخدمات لوجستية ومؤسسات مالية بما يؤدي إلى إيجاد فرص عمل للمواطنين في البلدين. أما الاستفادة من خبرات الكويتيين في تطوير الأعمال، خصوصاً في القطاعين العقاري والسياحي فلا بد أن تكون من أهم اهتمامات العراقيين. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - بيروت