في العام 2008 قال وزير الثقافة والإعلام السابق إياد مدني خلال زيارته لمكتبة جدة العامة – القديمة - إن هذه المكتبة لا تليق بجدة وسكانها، ولا تسر أحداً، سواء العاملين بها أم الوزارة. وأضاف أن هناك أكثر من جهة معنية في الشأن الثقافي بجدة، منها على سبيل المثال جامعة الملك عبدالعزيز، فمنذ أعوام طوال وهناك مشروع لإنشاء مكتبة عامة تحت إشراف الجامعة، وقد أنشئ المبنى وأعتقد أنه يمكن تشغيله متى ما توافرت الإمكانات المالية لذلك. كان ذلك نص تصريح الوزير لوسائل الإعلام التي رافقته في تلك الزيارة، ولست أدري هل علم والوزير الحالي بقصة المكتبة العامة في جدة أم لم يعلما، وليسمحا لي أن أسرد جانباً من قصة غريبة لمكتبة جدة العامة التي كان مقدراً لها أن تجهض حتى قبل أن تولد. ففي أول التسعينات الميلادية تبنت أمانة جدة إقامة مكتبة عامة في مدينة جدة تكون معلماً من معالم المدينة الحضارية والإنسانية، وبالفعل، وبعد استئذان المقام السامي أعطيت المكتبة واحداً من أهم المواقع المرشحة في مدينة جدة، وهو تقاطع شارع فلسطين، وطريق الأندلس أمام السفارة الأميركية وعلى مساحة كبيرة. وهو لمن لا يعرف جدة جيداً موقع ذهبي لا يقدر بثمن، وخلال أشهر قليلة تم وضع حجر الأساس، وحضرت الصحافة والتلفزيون وغُطي الحدث كما لم يغط من قبل، فجدة ستصبح عما قريب مثلها مثل مدن العالم لها مكتبتها العامة الراقية، وربما تنافس الإسكندرية مدينة البحر الأخرى التي تباهي العالم بمكتبتها العظيمة. كان مقدراً للمكتبة أن تتوسد وسط جدة وتكون تاجها وعينيها ورئتها وقلبها النابض، إلا أن شيئاً ما حدث في وسط تلك الحماسة والاهتمام، ولم يكن في الحسبان، فهذه الأرض الذهبية والموقع «اللقطة» أسال لعاب الكثير، فتم على عجل، تلبيس جامعة الملك عبدالعزيز المكتبة، واقترح عليها نقل المكتبة من قلب جدة الذي وضع فيه حجر الأساس إلى داخل المدينة الجامعية، ومن دون أن يفهم أحد ماهية القصة بالضبط! وفي ذلك الوقت المالي العصيب لم تكن الجامعة مستعدة أبداً للقيام بعبء بهذا الحجم، لكنها وانطلاقاً من دورها العلمي اضطرت إلى قبول النقل، وحددت جزءاً من مبانيها المستقبلية مقراً للمكتبة، وعلى الرغم من أن المكتبة اكتملت الآن، ألا أنها أصبحت جزءاً من المقار العلمية للجامعة، وأخذت صبغتها الجامعية وروحها الأكاديمية، وخرجت عن كونها مكتبة عامة للمدينة ومقصداً لأهاليها، ذات استقلالية، ولها رؤيتها وتخصصها المختلف تماماً عن المكتبات العلمية. الأرض مثار نقاشنا اليوم لا تزال على حالها «مرمية» في عين جدة، حزينة على مآلها، ولا يعلم أحد ما إذا أوقفت للمكتبة أم أنها استبقيت لمشروع آخر ستفاجأ به جدة في يوم ما، أو أنها ضلّت طريقها في أدراج الأمانة لتحبط حلماً من الأحلام مات قبل أن يولد، فلا هي تُركتْ مكتبة للناس، ولا هي حُوّلت حديقة عامة، ولا أظن أحداً منا يعلم على الأقل ما هو مصيرها الآن. وسؤالي أوجهه أيضاً للمجلس البلدي في جدة، الذي يخوله النظام سحب ملف تلك الأرض ومعرفة مقرها ومستقرها، وأدعوه لإحياء مشروع المكتبة من جديد، أو تحويلها لوقف لصالح المدينة، أو لمتحف عام يحمل تاريخ جدة بين دفتيه منذ أن استوطنت أرضها «أمنا حواء» وسكنتها قضاعة، ومر بها الإسكندر المقدوني، وباني مينائها الخليفة عثمان بن عفان، وحتى يومنا هذا. فهل من مجيب؟ [email protected] @dad6176