تتجه الأزمة السياسية في العراق إلى المزيد من التصعيد بعد عملية اعتقال عناصر حماية وزير المالية رافع العيساوي، القيادي في ائتلاف «العراقية»، بمعرفة مسبقة من رئيس الوزراء نوري المالكي، فيما دعت أوساط شعبية سنية إلى الانسحاب من الحكومة. وكانت قوة أمنية تابعة لوزارة الداخلية اقتحمت عصر أول من أمس مقر العيساوي الواقع في المنطقة الخضراء واعتقلت أفراداً من قوة حمايته تضاربت الأنباء حول عددهم. وفيما قال مجلس القضاء الأعلى أن عددهم 10 فقط أكد العيساوي أنهم يقاربون 150 شخصاً. وعلى رغم تأكيد وزارة الداخلية ومجلس القضاء ومقربين من الحكومة أن الاعتقال جرى بموجب مذكرات قضائية رسمية، إلا أن القضية أخذت بعداً سياسياً وأدت إلى تظاهرات في مدينتي سامراء والأنبار تنديداً بالحادثة. وأفاد الناطق باسم مجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار في اتصال مع «الحياة» بأن «القضاء العراقي أصدر مذكرات اعتقال وفق الأصول بموجب المادة الثالثة من قانون مكافحة الإرهاب بحق آمر فوج حماية الوزير العيساوي، وهو ضابط برتبة عقيد، وتسعة آخرين من أعضاء حمايته». وأوضح أن «آمر فوج الحماية اعتقل قبل يومين. وبعد التحقيقات معه تبينت الحاجة إلى إصدار مذكرات قضائية أخرى شملت تسعة آخرين من عناصر فوج الحماية». ونفى الأنباء التي قالت إن الاعتقال شمل العشرات. واعترفت وزارة الداخلية في بيان أمس بحصول خروقات من جانب القوة المنفذة للاعتقالات، وأكدت أن العيساوي كان على علم مسبق بمذكرات القبض التي صدرت بحق أفراد حمايته، إلا أن العيساوي نفى ذلك وهاجم رئيس الوزراء نوري المالكي بشدة. وقال العيساوي في مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس في منزل رئيس البرلمان أسامة النجيفي بحضور عدد من وزراء وقيادات ائتلاف «العراقية»، إن «قوة ميلشياوية اعتقلت أفراداً من حمايتي أمس وعند إبلاغ رئيس الوزراء بذلك وعدنا بالتدخل، وتفاجأنا اليوم باختطاف جميع أفراد فوج حمايتي ومسؤولهم والبالغ عددهم 150 فرداً». وأضاف: «أحمل المالكي مسؤولية اختطاف أفراد حمايتي وعليه تحمل مسؤوليته، وقد حاولنا الاتصال به اليوم أنا ورئيس مجلس النواب إلا أنه أغلق هاتفه». وأشار العيساوي إلى «أن المالكي يحاول خلق أزمة جديدة بفعلته غير القانونية، ولا نعلم إلى أين يريد الذهاب بالبلاد، فإذا كانت ضربة لنا قبل الانتخابات فإنه ودولة الميليشيات واهمون، وندعوهم إلى مراجعة موقفهم ونؤكد أننا لن نخاف حتى لو اعتقل جميع أفراد الحماية». وطالب العيساوي خلال المؤتمر الصحافي رئيس الوزراء بتقديم استقالته، ودعا البرلمان إلى النظر في مشروع حجب الثقة عنه. ورد المالكي على موقف العيساوي في بيان صدر عن الحكومة أمس، وجاء فيه: «اعتاد بعض السياسيين افتعال الأزمات السياسية عند أي إجراء يتخذ قضائياً كان أو غير قضائي، فاستناداً إلى أوامر قضائية صادرة من القضاء العراقي قامت قوة من الشرطة بواجبها باعتقال عشرة أشخاص من حماية وزير المالية بعد التدقيق في هوياتهم، وهم الآن في عهدة القضاء». وأضاف البيان أن «تسمية مؤسسات الدولة وقوى الأمن والشرطة والجيش الذين قدموا أرواحهم من أجل أن ينعم جميع العراقيين بالأمن والاستقرار باسم الميليشيات لا يليق بمن يحتل موقعاً كبيراً في الدولة ويحتل مناصب عليا فيها. إننا نود التأكيد هنا أن العراق بلد الجميع ولا مجال فيه لطغيان جانب على جانب أو طائفة أو قومية على أخرى». وأغلق أمس المئات من أهالي محافظة الأنبار، مسقط رأس العيساوي، الطريق الدولي الذي يربط بغداد بالأنبار وأقاموا صلاة الجمعة على الطريق الذي قطع بوجه السيارات لساعات استنكاراً للحادثة. وطالب مجلس علماء مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار أمس المكون السني «بالانسحاب الفوري» من العملية السياسية احتجاجاً على اعتقال عناصر حماية العيساوي. وقال رئيس المجلس الشيخ مشعان السعود في كلمة ألقاها خلال تظاهرة وسط الفلوجة: «على أبناء المكون السني الانسحاب من حكومة نوري المالكي الطائفية من دون تأخير». ودعا المالكي إلى «احترام المكون السني والكف عن استهداف رموز السنة والكف عن منهج الإقصاء الذي يتعرض له المكون السني في كافة مؤسسات الدولة». وجرت تظاهرة ثانية أمس في مدينة سامراء شمال بغداد ذات الغالبية السنية ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بعدم جر البلاد إلى الطائفية. واعتبر مفتي الديار العراقية الشيخ رافع العاني في بيان أن «تصرفات الحكومة الحالية باستهداف الرموز والقيادات السنية واستهداف العيساوي تعد استهانة بالمكون وتصرفات مارقة ويجب أن تراجع نفسها قبل فوات الأوان». ودعا نائب رئيس الوزراء والقيادي في ائتلاف «العراقية» صالح المطلك أمس نواب ووزراء «العراقية» إلى الانسحاب من العملية السياسية برمتها في حال عدم استجابة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى مبادرته التي تهدف إلى نزع فتيل الأزمة السياسية في البلاد. وقال المطلك في مؤتمر صحافي إن «المبادرة تؤكد ضمان استقلالية القضاء العراقي بإشراف جميع الكتل السياسية والتصدي لمن يرغب في إنعاش مشروع الطائفية». وأبدت النائب عن كتلة «العراقية» وحدة الجميلي خشية كتلتها من تكرار سيناريو نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي في إسقاط قيادات «العراقية» لأهداف سياسية تسبق انتخابات مجالس المحافظات المقبلة. وأضافت الجميلي في تصريح إلى «الحياة» أمس أن «حادثة اعتقال أفراد حماية العيساوي تذكرنا بأحداث اعتقال حماية الهاشمي والتي انتهت بمحاكمته سريعاً وإصدار خمسة أحكام إعدام بحقه». ولفتت إلى أن «القضية لا تخلو من الأبعاد السياسية». إلى ذلك، اعتبر الهاشمي اعتقال عدد من أفراد حماية وزير المالية رافع العيساوي بأنه «غير مفاجئ». وقال بيان لمكتبه أمس إن «ما حصل لم يكن مفاجئاً بل متوقعاً جداً وقد حذرنا من وقوعه مراراً، ذلك أن المالكي لن يهدأ له بال حتى يستهدف جميع من يختلفون معه». وأشار إلى أن «المالكي لا يريد شركاء أنداداً بل اتباعاً أذلاء، فهل وعت العراقية الدرس أم أنها ما زالت تحلم؟». ويعد رافع العيساوي من أهم قادة ائتلاف «العراقية» الذي يتزعمه أياد علاوي وهو يقود تكتلاً نيابياً باسم «تجمع المستقبل الوطني» يشغل سبعة مقاعد في البرلمان بدورته الحالية. وعرف عن العيساوي طيلة مدة تسلمه منصبه كوزير للمالية التزام الصمت ظاهرياً على سياسات المالكي على عكس باقي قادتها الذين كانوا يهاجمون المالكي صراحة. وبقيت التكهنات مفتوحة لجهة توقيت اعتقال أفراد حمايته على رغم أنه يواجه منذ شهور اتهامات مبطنة من قريبين من رئيس الوزراء بدعم مجموعات إرهابية وأن هناك مذكرات قضائية بحقه. ورجح مصدر سياسي رفيع المستوى أن تكون تصريحات العيساوي الأخيرة إزاء الوضع في سورية وراء استهدافه. وكان العيساوي قال في تصريح يعارض توجهات الحكومة العراقية إزاء الملف السوري الأسبوع الماضي من العاصمة الأردنية عمان على هامش اجتماع لصندوق النقد الدولي إن «سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد يكون مسألة أسابيع». وأضاف أن هناك «تسارع حقيقي في ما يتعلق بالاهتمام الذي يوليه المجتمع الدولي لسورية وقلق حقيقي في شأن استخدام أسلحة كيماوية». واستنكر النائب عن كتلة «التغيير» الكردستانية محمد كياني اعتقال أفراد حماية العيساوي، وقال في بيان إن «ما يحدث في العراق اليوم وبالأخص حادثة اعتقال أفراد حماية العيساوي ينم بأنه ليست هناك دولة قانون وإنما هناك دولة ميليشيات وفرق تعذيب وإرهاب».