ليست القصائد التي يكتبها نواف الشلهوب مجرد طرق عنيف، كما يقول الأمير بدر بن عبدالمحسن في مقدمة ديوان «بياض» باكورة الشاعر الشاب، إنما شعر حقيقي، صاف ولماح. شعر يزاوج بين اللوعة وكتابة اللوعة نفسها، كمن يكتب عن صورته في المرآة. الشعر الذي يكابده الشلهوب ويكتبه بعد ذلك، منذور للهيام والغزل وأيضاً الهزل، شعر يتقلب في صور وفي أحوال، ويكتب نفسه في سفر وفي ظلام، تختلف الأجواء، لكن البياض هو ما يجمع هذا الشعر. يفتح اسم الديوان «بياض» فضاء من الإيحاءات والحدوس والانتباهات، إلى ما يعنيه البياض، من دلالات تلتئم أحياناً بعنوان واحد، وفي أحايين تتشظى في معان تتناقض وتتنافر، فمن بياض القلب، التي تعني البراءة، إلى بياض الكفن، أي الموت، وشتان ما بين المعنيين. يموج الديوان بصور بديعة، مثل «جيتك فكر مدحور بحضوره أنجاس/ يوم أغلب العشاق فكره زريبه/ عبدي قصيدي وأعتقه فوق قرطاس/ ولعيونك أمزج لولوه مع عجيبه». لا يميل أحياناً الشاعر إلى السهل في ابتكار صوره وجمله الشعرية، إنما يسعى إلى إضفاء شيء من الإدهاش، الذي يمكن أن يغدو غريباً على الذائقة التقليدية، مثل: قد قال منهو زل من فكره العاج/ وقهوى أذانك غصب من ريق دله/ تجيك محبوكة مثل حبكة التاج/ على ملك أسياف جيشه تسله». وتتنوع قصائد الديوان من عمودي إلى تفعليه، «ما أبيك/ كان هجرك يهتويك../ وكان بعدك محتويك/ ما أبيك/ كيف يرضى من يحبك/ كيف ترضى قل بربك/ يدخل فراقك شريك!/ وكل شاعر../ يكتب إحساس ومشاعر.. لويجيك../ ينبض إحساس ومشاعر من يجيك/ وأنا أكثر من كتب فيك القصيد/ يا رصيدي لو قصيدي له رصيد/ بس ما ألغى الغياب/ صار توأمه العذاب وصار مثلي ما يبيك/ لا فهذي في البنات/ شفت من ياخذ مكانك/ شفت من يلغي زمانك». يكتب الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن في مقدمة الديوان: «نواف الشلهوب، شاب يعشق الشعر، ولا يرضى طريقاً آخر غير العشق للوصل مع محبوبه، عندما زارني للمرة الأولى لفت نظري توه ملامحه وهو يلقي علي بعض قصائده، كأنه يريد أن يزيدني قناعة بجمال المعشوق، أي الشعر، أكثر من العاشق، الذي هو نواف، وعندما ودعني ترك لي ديوانه الأول «بياض» وذهب لمحبوبه». وأضاف الأمير بدر: «أعرف أن من واجبي أن أكتب عن نواف الشلهوب الشاعر لا عن نواف الشلهوب العاشق، ولكن صعبٌ علي الفصل بين شعر نواف وعشقه، كيف أستطيع أن أكتب عن الشاعر نواف الشلهوب اليوم من دون أن أضع غداً في اعتباري، ومن يحمل كل هذا الحب للشعر يجب أن يكتب عما سيبدعه غداً، وليس عما كتبه بالأمس. نواف الشلهوب يطرق بوابة الشعر بعنف ولن يظل خارج أسواره طويلاً. ولا بأس في أن نستمتع الآن بالطرق العنيف وننتظر ما ستأتي به الأيام من قصيد نواف. دعوني أذخر ما سأكتبه عن نواف للأيام المقبلة.. نواف قادم فانتظروه». لا يصعب تلمس فرادة الصوت الشعري، الذي تعبر عنه قصائد ديوان «بياض»، إذ يسهل تماماً اكتشاف انبثاقات الشعر من أية قصيدة، يمكن للبصر الوقوع عليها مصادفة، شعر لا يتعبك في العثور عليه، وإن كان في ما يبدو نتاج اختمار وعذابات، مع الكلمات، حتى بصبح شعراً. مشاغل الشاعر واضحة، وانشغالات قصيدته تجهد في الإفصاح عن هويتها، وهي الانشغالات الأساسية التي يمكن لأي شاعر وأية قصيدة أن تضطلع بها، «صباحك والمسا نور وفراشات وغزل وزهور/ وإنتي الليل مع صوتك حكايه ما لها آخر/ تراك إنتي ولا غيرك إذا تلفن أجي مطيور/ ولا غيرك يجي شعري معاه بروعته زاخر». هنا شعر يرتقي بالقصيدة الشعبية، التي تفارق مع نواف الشلهوب، أطرها الضيقة، ومحدودية المعنى فيها، لتفتح نافذة على شساعة في الدلالية، مع شفافية وبساطة تحاذر الانزلاق إلى المباشر والسطحي، فتبقى قصيدة الشلهوب متمنعة وبعيدة عن المتناول، مثلما نقرأ في هذا المقطع: أبي أملا فراغاتك ضيا لو تسمعين الشور/ وظلك ما يلام إن شيف متغطرس ومتفاخر/ كنت آشوفها خضرا.. لكن ما عليها زهور/ وعقبك دنيتي ترفض سوى دنياك.. من الآخر». لغة الشلهوب بين الفصيح والشعبي، الذي يحاول التفاصح، لغة بيضاء بعيدة عن وعورة اللغة في القصيدة الشعبية المنغلقة على نفسها، وقريبة من نفسها ومن قارئها. * كاتب سعودي.