شكّلت انطلاقة المغرب اللافتة في سوق السندات بالدولار هذا الشهر، خبراً ساراً لبلدان أخرى تأثرت بثورات الربيع العربي، وربما تحاول اقتراض أموال من الخارج العام المقبل. ويُعزى نجاح الحكومة المغربية في الإصدار البالغة 1.5 بليون دولار مستقطباً طلبات اكتتاب قيمتها نحو 12 بليون دولار اشترى معظمها مستثمرون في الولاياتالمتحدة، إلى أسباب تتمثل في انخفاض مستويات العائدات عالمياً، ورغبة المستثمرين الأجانب الشديدة في تحقيق مكاسب. ولوحظ من خلال هذه العملية، استعداد المستثمرين لتحمل مخاطرة سياسية كبيرة في العالم العربي، وهو أمر مشجع لدول مثل مصر وتونس، حيث تكافح الحكومة في البلدين لتمويل عجز الموازنة، وشهد كلاهما أخيراً اضطرابات سياسية. ولم يستبعد كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى «في تي بي كابيتال» في لندن رضا آغا، «إقبالاً قوياً على سندات دول شمال أفريقيا، بشرط تسوية الموقف السياسي الداخلي». وتوقع أن «تدفع المتطلبات المرتفعة للموازنة والتمويل الخارجي، مصر والمغرب وتونس، إلى إصدار سندات دولية بقيمة تتراوح بين 500 مليون دولار و1.5 بليون العام المقبل». ولفت إلى أن «بعض هذه السندات ربما يكون إسلامياً (صكوكاً)، لأن كل هذه الدول تضع الإطار القانوني لإصدار الصكوك». ولم يشهد المغرب ثورة على غرار ما حدث في مصر وتونس، لكن يواجه ضغوطاً سياسية واقتصادية مماثلة. وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي، تخلى العاهل المغربي عن مزيد من سلطاته في الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية للحكومة المنتخبة، لكن ربما يواجه المغرب احتجاجات شعبية أخرى تطالب بمزيد من الديموقراطية. وسبّب الركود الاقتصادي في منطقة اليورو ضرراً شديداً بالتجارة المغربية وموازنة الدولة. لذا كان إصدار السندات، الذي مضى بسلاسة هذا الشهر، مثيراً للإعجاب خصوصاً أن المغرب استطاع بيع ما قيمته 500 مليون دولار من سندات لأجل 30 سنة، ما يُعدّ تعبيراً عن الثقة في مستقبل المغرب في المدى البعيد. وأشار الأداء القوي للسندات في السوق الثانوية منذ الإصدار، إلى أن المستثمرين الذين لم يتمكنوا من شراء السندات في السوق الأولية، مستعدون لدفع علاوة في السعر، وبلغ السعر المعروض لشراء السندات المستحقة بعد عشر سنوات، والبالغة قيمتها بليون دولار، 100.4 سنت للدولار أول من أمس، ارتفاعاً من سعر الإصدار 99.2 سنت. وبلغ السعر المعروض لشراء السندات من فئة 30 سنة، والبالغة قيمتها 500 مليون دولار والصادرة بكوبون 5.5 في المئة، 101.5 سنت ارتفاعاً من 97.5 سنت. ورأى مستثمرون، إمكان السيطرة على التوترات السياسية في المغرب، واعتبروا أن المساعدات من دول الخليج العربي والمجتمع الدولي ستحول دون وقوع كارثة اقتصادية. وكان صندوق النقد الدولي وافق في آب (أغسطس) الماضي، على تزويد المغرب خط ائتمان وقائياً قيمته 6.2 بليون دولار يستحق بعد سنتين. ويتمتع المغرب بتصنيف ائتماني يختلف عن بلدان الربيع العربي (BBB-) من مؤسسة «ستاندرد اند بورز». لكن أداء سندات الدول الأخرى في السوق الثانوية في الأسابيع الماضية، أشار إلى أن المستثمرين يحسبون الأمر بطريقة مماثلة. إذ شهدت مصر مثلاً اضطرابات سياسية، واضطرت إلى تأجيل المحادثات المتعلقة بقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 بليون دولار، ووقف العمل بزيادات ضريبية مقررة، كان يمكن أن تساعد في الحصول القرض. وعلى رغم ذلك لم يرتفع العائد على السندات لأجل عشر سنوات بقيمة بليون دولار أصدرتها مصر عام 2010، سوى 70 نقطة أساس لتصل إلى 5.83 في المئة منذ بداية الأزمة في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهذه النسبة تقلّ عن زيادات تبلغ نقطة مئوية واحدة أو أكثر، سُجلت في ظل التوترات السياسية عام 2011 ومطلع العام الحالي، ولا يزال العائد أقل كثيراً من الذروة المسجلة هذه السنة والتي فاقت 8 في المئة. كما شهدت تونس اضطرابات مع اقتراب انتخابات العام المقبل. لكن العائد على سندات بقيمة 400 مليون يورو أصدرتها تونس عام 2005 وتستحق عام 2020، استقر على نحو 5.30 في المئة وهو أدنى مستوى منذ كانون الثاني (يناير) عام 2011 لدى اندلاع الثورة التونسية. ومن العوامل الداعمة لأسعار سندات شمال أفريقيا، إمكان تدفق مزيد من الاستثمارات من منطقة الخليج الغنية بالنفط إلى هذه الدول. وأعلنت شركات خليجية اهتماماً بشراء أصول في هذه المنطقة، في ظل الحكومات الجديدة التي جاء بها الربيع العربي. وربما يزيد هذا الاهتمام في حال أصدرت حكومات شمال أفريقيا ديوناً على شكل صكوك، نظراً إلى توافر السيولة الكبيرة في الخليج والباحثة عن أدوات متوافقة مع الشريعة. يذكر ان البلد الوحيد من بين دول الربيع العربي، والذي تسجل عائدات سنداته ارتفاعاً واضحاً، هو الأردن، الذي شهد احتجاجات عنيفة الشهر الماضي، نتيجة خفض دعم الوقود. ودلّ أداء سندات أردنية بقيمة 750 مليون دولار تستحق عام 2015، إلى أن المستثمرين ربما يكونون أقل ثقة في توصل الأردن إلى نموذج لحل مشاكله السياسية والاقتصادية مقارنة بمصر وتونس. وتراجع العائد على السندات من مستويات ذروة فاقت 6 في المئة مطلع العام الماضي، لكن أخذ يرتفع منذ الربع الثاني من هذه السنة وبلغ خمسة في المئة حالياً. وكان الأردن يدرس إصدار سندات دولية تقليدية بقيمة تصل الى 1.5 بليون دولار لسد بعض حاجاته التمويلية، لكنه لم يصدرها. كما أقر البرلمان قانوناً يسمح بإصدار صكوك سيادية.