مرّ يوم ال18 من كانون الأول (ديسمبر) على أكثرنا كأي يوم من أيام العام من دون أن يشعر له بشيء من التميز والانفراد، وغير مستغرب أن يحدث هذا لأن أكثر وسائل الإعلام العربية لم تُعطِ هذا اليوم شيئاً من التميز والبرامج والفعاليات الخاصة، فكانت النتيجة المألوفة أن أكثرنا لا يعلم أن منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) قررت اعتماد ال18 من ديسمبر من كل عام يوماً عالمياً للغة العربية؛ احتفاءً بها وبتاريخها وثقافتها، وسر اختيار هذا اليوم تحديداً أنه يصادف اليوم الذي قررت فيه الأممالمتحدة عام 1393ه/1973 إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المستخدمة في المنظمة الدولية ولجانها الرئيسية. حقيقةً لم تكن مشكلةً أن يجهل كثيرون من أبناء اللغة العربية يومها العالمي لو كانوا يلتزمون بالتحدث بها في بلادها، وحيثما كان التحدث بها متاحاً في أي محفل دولي، والمسألة ليست تعنّتاً، ولا محسوبةً من صور الولع بمخالفة السائد وحب الشهرة، بل هي مسألة اعتزاز، وحفاظ على الهُوية، وثقة بهذه اللغة المجيدة. ولم تكن مشكلة أن يجهل كثيرون من ناطقي اللغة العربية يومها العالمي لو كانت وسائل الإعلام العربية تلتزم قواعدها وتبث روح الاعتزاز بها بين أبنائها، وتسهم في الحفاظ على هذه الهوية الجامعة، وتخدم البرامج المساندة. وإنما المؤسف أن أكثر الإعلام العربي لم يُعر هذا اليوم أي اهتمام ملفت؛ لأنه - أصلاً - فاقد لتلك الروح والهوية، وفاقد الشيء لا يعطيه. أن يمر اليوم العالمي للغة العربية من دون احتفاء يليق بها، أو يلفت الأنظار إليه على الأقل، فهذا مظهر من مظاهر هوان اللغة على أهلها، فضلاً عن غيرهم، ومن المفارقة المؤسفة أن تمنح بعض الوسائل الإعلامية الأجنبية هذا اليوم من التعريف باللغة العربية والإلفات إليها ما لا يفعله أكثر إعلامنا العربي. ليس الإعلام العربي وحده المسؤول عن كل هذا الإهمال للعربية، بل هو إهمال مشترك، ضرب فيه كل منا بسهم، يكاد يكون تواطؤاً جماعياً؛ حتى أولئك الأكاديميون المختصون بتدريسها، جعلوها جامدة، عصيةً غير مطواعة، وطريقة التدريس التي ارتضوها أوهمت من يتعلمها أنها جامدة غير متجددة، صعبة غير مذللة، أبطأ من أن تواكب تسارع التغير والمستجدات، لم تكن غيرة أولئك الأكاديميين على لغة القرآن كافيةً لمنع هذه التبعات غير المقصودة، ولا كافية لبث روح الاعتزاز باللغة. إن الاعتداد باللغة، والاعتزاز بها، وفرضها واقعاً يحمل الآخرين على اعتبارها ومراعاتها هو الذي جعل كثيراً من المواقع والبرامج الشهيرة تراعي لغاتٍ مغمورة في الترجمة، الذين يتكلمون بها لا يبلغون عُشر الذين يتكلمون بالعربية، تبحثُ عن خيارات اللغة في تلك المواقع والبرامج فتفتقد اللغة العربية، حيث تجد المغمورة، والتي هي أقل شهرة وانتشاراً، ما الذي يجعل تلك المواقع والبرامج متاحة باللغة التركية أو بلغة من لغات دول شرق أوروبا، أو شرق آسيا وإهمال اللغة العربية؟ ليست المسألة عداءً متمحِّضاً للغة العربية، بل المصلحة الاقتصادية والجدوى المالية أولاً، والعرب بإهمالهم للغتهم وتساهلهم في مزاحمة الإنكليزية والفرنسية لغتهم الأم في أوطانهم أشعروا الآخرين بأنهم في بلادهم يتحدثون الإنكليزية أو الفرنسية بديلاً عن العربية، فكان من تبعة ذلك ألا حاجة للترجمة لها! ربما يعزو بعضهم ذلك إلى أن العرب أنفسهم لم يلحوا على الآخرين ضرورة ترجمة مواقعم وبرامجهم للغة العربية، ولم يعرضوا عليهم خدمة التعريب، ولو بالمجان، وأياً كان السبب فمردّ الأسباب كلها إلى افتقدانا شعور الاعتزاز والزهو والفخر باللغة العربية وروح الهُوية الجامعة. [email protected] samialmajed@