تظهر دبي في الأدب العربي منذ ازدياد الإقبال على العمل فيها، هي الأولى عالمياً في جذب الكفاءات المهنية وفق لينكد إن. ويتصاعد اليوم اختيارها بين الكُتّاب الأجانب موقعاً لأحداث رواياتهم. كان توماس بنتشن أشهر من ذكرها في «الحد النازف» التي صدرت العام الماضي عن شركة تستخدم برنامجاً على الإنترنت لإخفاء تحويل الأموال التي تستقر في النهاية في المنطقة الحرة في جبل علي، دبي. ظهرت لوحتها العمرانية الحديثة الفخمة في «كارت بلانش»، رواية جيمس بوند التي كتبها جفري ديفر. وكانت بين المواقع في «تلاعب» لبن مزريك الذي استوحى قصة جون داغوستينو ليكتب عن متخرج فقير لامع من هارفرد أثرى بسرعة وغيّر «عالم النفط من وول ستريت الى دبي». يبدو ربطها بالسحر سهلاً، وفي «مسحورة وخطيرة: برونوين الساحرة الرقم واحد» لكانديس هيفنز تعمل برونوين في مكتب رئيس الوزراء البريطاني، وتجد نفسها في دبي حيث تلتقي ثرياً يضع طائرته الخاصة تحت تصرفها. آخر الروايات عن دبي تأتي من الإرلندي الأميركي جوزف أونيل. رشّحت رواية «الكلب» لمان بوكر في لائحتها الطويلة، وفكّر الكاتب بها حين كان ينهي «هولندا» الأكثر مبيعاً التي نالت مديح النقاد ووردت في قائمة مان بوكر الأولية أيضاً. سمع كلمة دبي تكراراً من ناس لا يعرفهم، وعمل أصدقاء له هناك، وجمعوا مالاً وفيراً. بدأ الكتابة قبل زيارتها، ووجدها حين قصدها مدينة المستقبل التي تتحدّد جماعتها بجنسيات القوة العاملة والمال، وترتبط الهوية بشكل كامل بصلاحية الفرد كعامل. إنها مدينة ما بعد الحداثة والتنوير، ولندن التي يملك غير مقيمين كثيراً من وسطها تتحوّل الى دبي. لا يحس أونيل أنه ينتمي الى مكان معين. ولد في إرلندا لأب إرلندي وأم سورية تركية، وعاش طفولته في أفريقيا الجنوبية وموزمبيق وإيران، وقصد مدرسة بريطانية في هولندا، ثم درس المحاماة في كمبريدج ومارسها عقداً في لندن. يعمل بطل «الكلب» المحامي لدى أسرة بليونير لبناني هناك يدعى ساندرو باتروس (بطرس؟) كان صديق دراسة في الجامعة. تشبه الرواية الصادرة عن «بانثيون بوكس» سابقتها «هولندا» في المعاناة من علاقة انتهت حديثاً، واختفاء صديق ساعده على بعض النسيان بلعب الكريكت معه («هولندا») ومشاركته في الغطس («الكلب»). يبقى المحامي بلا اسم، ويهجر نيويورك بعدما تركته صديقته لرفضه إنجاب الأطفال. يشعر بالضياع واليأس في دبي لاضطراره الى العمل واجهة لشخص مشبوه الصفقات، يطلب منه أيضاً الاعتناء بابنه الجاهل البدين آلان الذي يبلغ الخامسة عشرة. عليه مراقبة وزن الفتى الموعود بنيل سيارة إذا خسر ما يكفي من الكيلوغرامات. الأسرة مدلّلة، كسولة، تسمّي طائرتها الخاصة «أوتوبيس»، وتستخدم طاقماً إيطالياً على يختها الكبير يذبح لها النعاج للعشاء. يقول باتروس إن عمل المحامي الأساسي منع الآخرين من سرقته، لكنه يُكلّفه مثلاً في اللحظة الأخيرة الاتفاق مع بريان آدامز على الغناء في حفلة عشاء. يعيش في برج فخم اسمه «ذا ستيويشن» يقول موقعه الإلكتروني إنه مخصّص فقط للقلة التي لا ترضى بالتسويات. يستخدم اسم زميل سابق له في شركة المحاماة النيويوركية حين يرتاد نادي «يونيك» الذي لا تدخله إلا النخبة. يريد دبي مخبأ أو مهرباً موقتاً يذوب فيه حتى استعادة معنى حياته، ويقول: «ليس خطأ أحد أن هذه الزاوية من العالم كانت حتى زمن قريب لا يحدث فيها شيء، فقيرة مادياً، جامدة ثقافياً، لم يضع سكانها أولويات للامتيازات المقبلة ولم ينتجوا أشياء خالدة لحفظ ذواتهم في ذريّتهم. أجد ذلك غير عادي». يرثي الراوي انهيار علاقته بزميلته جِن ويحس بحاجة الى الاعتذار منها. عاشا في شقة صغيرة، وانتهيا بتحاشي أحدهما الآخر وسط ضغينة صامتة تحوم فوقهما. يفكر بأن نيويورك نفسها تضغط على العلاقات وتتسبّب بفشلها. يبقى عقله قانونياً حين يفكر في إيجابيات وسلبيات النوم مع بائعة هوى روسية، وما إذا كان الأمر يستحق دفع خمسمئة دولار لليلة واحدة. يرضى عن نفسه إزاء وضع جماعات معينة من العمال الأجانب لأنه منحه التفكير والفعل الكافيين. لا يربطه إحساس بالمدينة، لكن مبانيها تمنحه سروراً مثيراً، وبرج خليفة بدا له قبيل اكتماله مثل ورقة عشب طويلة، ناحلة. إذ يزور نيويورك يجد أنه لا يطيقها، ويرى «برج الحرية» الذي بني ثلاثة أرباعه شنيعاً مثل قطعة رِجل اصطناعية، «بقية ضخمة من شيء ما». نيويورك مدينة الأرواح المحرومة دخول الجنة من دون ذنب ارتكبته، وعلى العائد من مدينة جديدة مثل دبي التكيف مع المجتمع الأصلي القديم الذي يرفض التغيير. خلال وجوده في نيويورك يحمّله مستخدمه مسؤولية تحقيق يطاوله، ويطرده. يعود الى دبي ليواجه حكماً محتملاً بالسجن، ويقول إن عليه تبرئة اسمه. وسط الدمار وحده، يستعيد هويته واسمه ووعيه بذاته، لكن إدي، الوسيط مع ساندرو، يسأل «أي اسم؟ لا أحد يملك اسماً».