باسل الثنيان، شاب سعودي في ال14 من عمره، يدرس في السنة الثالثة المتوسطة، ويقدم برنامج «عيشوا معنا» في وسائل التواصل الاجتماعي. استضافه تركي الدخيل في برنامجه المضيء «إضاءات» المخصص للشباب يوم الجمعة الماضي. كنت أتمنى، وما زلت آمل، أن يشاهده ويستمع إليه كل مسؤول في بلادنا، بدءاً بالوزراء مروراً بالمديرين العاميين، وانتهاءً بأصغر موظف في أي منشأة حكومية، لكي يعلموا أن مستوى الإدراك والفهم والملاحظة لا تقتصر على الكبار فقط. كما أتمنى من أي أب وأم أن يشاهدوا باسل الثنيان ليعرفوا أن التنشئة الصحيحة تنبت نباتاً حسناً. يحكى أن رجلاً يرافقه ابنه الصغير دخل على حاكم في مسألة، لكن الرجل لم يوفق في عرض مسألته فغضب منه الحاكم وأمر بإخراجه ومعاقبته، عندها تدخل الابن الصغير وتكلم كلاماً حسناً أعجب الحاكم، تبسم الحاكم وأعجب بالصغير فأمر له بهدية وقال: «نعم الابن وبئس الأب» فرد عليه الابن الصغير: «بل نعم الأب وبئس الجد... أبي أحسن تربيتي، لكن جدي لم يحسن تربية أبي»، أعجب الحاكم بحكمة وفصاحة الابن، فأطلق سراح الأب، وأعطاه مسألته وأمر بهدية ثانية للابن. الحكاية السابقة تنطبق على باسل الثنيان الذي أحسن أبواه تربيته، وهو يعترف بذلك وبشدة أن من شجعه ودعمه هما «الوالدان ثم الوالدان ثم الوالدان»، هكذا قالها في البرنامج. أكثر ما يشد الانتباه في هذا الشاب الفطن، حفظه الله، أنه حسن الخلق مستقر العقيدة، فعلى رغم تواضعه عند الإطراء تكاد تسمع حمده وشكره لربه على ذلك الثناء، إضافة إلى لباقته وسرعة بديهته ومعرفته ماذا يريد وكيف يعبر. المواضيع التي اختارها باسل الثنيان في برنامجه «عيشوا معنا» مواضيع أعيت الإعلام الرسمي وناء بحملها والترويج لها وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والإعلام ووزارة الاقتصاد والتخطيط والرئاسة العامة لرعاية الشباب. منها على سبيل المثال: سوء أحوال المدارس الحكومية؛ أوقات الفراغ؛ وأهمية القراءة. لكن باسل تطرق إلى موضوع بالغ الأهمية من الناحية السيكيولوجية والسوسيولوجية تستحق النظر والتفكر، وهو أن الشباب في مثل عمره ضاعوا في التصنيف، فليسوا من فئة الشباب أي من 18 - 25، وليسوا من فئة الأطفال من 5 - 10 سنوات. نحن نجزم بأن ما لاحظه باسل الثنيان من سلبيات لا يقتصر مطلقاً على باسل، بل يندرج على مئات الآلاف من أقرانه وأترابه، في كل قرى ومدن المملكة. الفارق أن باسل الثنيان يملك موهبة التعبير والثقة في النفس ووطنيته بأن يبرز السلبيات ويؤكد الإيجابيات في برنامج شبابي، بوسيلة شبابية لأبناء جيله بأسلوبه البسيط من غير رتوش أو تصنع، فيخرج برنامجه قريباً من النفس، ويصل إلى فؤاد السامع والمشاهد. الشباب، وهم الفئة التي تشكل النسبة الأكبر من عدد المواطنين، لديهم شدة الملاحظة ومعرفة الغث من السمين في خطابنا بكل صوره وأشكاله، وذلك أمر يجب أن يتنبه إليه كل مسؤول. منذ أن فتحنا أعيننا على الحياة ونحن نسمع مقولة يرددها الإعلام والخطباء أينما كانوا وهي «الشباب عماد الأمة»، لكننا لم نلحظ أي اهتمام بأولئك الشباب يتماشى مع تطلعاتهم وطموحاتهم، وذلك أمر يستوي فيه كل عالمنا العربي. لقد سبق لنا أن كتبنا قبل أكثر من عام مقالاً بعنوان: «روشتة سياسية» يشتمل على عشر نصائح صادقة لكل الحكام العرب، يخاطب المقال في جزء منه الحاكم فيقول: الشباب يملك طاقة مخزونة تنبئ عن نفسها في مناحٍ عدة وبأشكال مختلفة ووسائل متعددة، فابحث عما في عقول وأذهان وخيال الشباب، هم يريدون العمل، ليس لكسب لقمة العيش فقط، بل لتحقيق الذات. بادر إلى خلق فرص عمل وبرامج تطوعية وترفيهية وأندية شبابية وميادين عامة في كل حي، إن استطعت، يتبارى فيها الشباب لإثبات أنفسهم وتحقيق ذاتهم والاستمتاع بخيالهم وأحلامهم. لا تضع بينك وبين الشباب وسيطاً أو حاجزاً، لكي تتمكن من تلمس حاجاتهم عن قرب فسوف تجدها سهلة التحقيق وقريبة المنال. (الحياة، 24 / فبراير/ 2011). توجهنا، أيضاً، إلى ولي العهد، بمقال قلنا فيه: «الشباب يا سمو الأمير... يريد مراكز حضارية وأندية عصرية في كل حي، تضم بين جوانبها كل أدوات ووسائل الترفيه البريء... يريدون مسارح، وسينما، وملاعب، وصالات ثقافية، ومكتبات، وأساليب جديدة في تلقي المعرفة واكتشاف العلوم. يريد الشباب أن يعبروا عن ذاتهم ومواهبهم باعتراف وطنهم، وليس خلسة يواجهون فيها كل أسباب المنع والشجب. الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين لم تترك موضوعاً ذا صلة برفاهية هذا الشعب بكل فئاته وأطيافه إلا تبنته وشجعته، وفي سبيل ذلك صرفت البلايين لتعليم الشباب، لكن هذا الجهد والمال يفقد قيمته أمام أمرين: الأول، ثقافة أجيال القرية بكل مكونات تلك الثقافة المغلقة والمنغلقة؛ الأمر الثاني، انعدام الثقة في الأجيال الجديدة من الشباب، بحجة معرفة مصلحتهم وما يجب أن يكونوا عليه. ولذا، بين الثقافة البالية والثقة المفقودة ضاع الشباب.» (الحياة، الخميس، 18 /أكتوبر/ 2012). وعودا إلى باسل الثنيان وبرنامجه الواعد «عيشوا معنا» نقول لكل مسؤول: عيشوا مع الشباب، وعيشوا معنا كمواطنين واعرفوا أن ما يرشح من نقد مكتوب أو مسموع أو مرئي ليس إلا «قمة جبل الجليد». ختاماً نقول لباسل: «وفقك الله»، ونقول لوالديه، هنيئاً لكم بباسل، ونقول للإعلامي اللامع تركي الدخيل، شكرًا على تقديم نماذج مضيئة مثل باسل الثنيان، وشكراًً أيضاً على تخصيص جزء من برنامجكم للشباب، ونقول لجهات الدعم في الدولة: «ادعموا الشباب الواعد، ولا تهملوا الشباب القاعد»، ونقول للوطن هنيئاً لك بأبنائك وبناتك. * باحث سعودي. [email protected]