زار الرئيس الأميركي باراك أوباما امس، مدينة نيوتاون في ولاية كونيتيكت (شمال شرق) حيث وقعت في مدرسة ابتدائية يوم الجمعة الماضي، مجزرة مروعة راح ضحيتها 27 قتيلاً بينهم 20 طفلاًَ معظمهم في السادسة من العمر. ونشرت الشرطة السبت، لائحة بأسماء الضحايا ال26 في مجزرة مدرسة «ساندي هوك»، ليكتشف الأميركيون الذين روَّعهم الحادث، أن معظم الأطفال الذين قتلوا لم تتجاوز أعمارهم الست سنوات، وأصغرهم نواه بوزنر، الذي بلغ السادسة من العمر في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فيما احتفل أكبرهم، دانيال باردن، بعيد ميلاده السابع في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي. وما زاد من روع الأميركيين إعلان الطبيب الشرعي وين كارفر، أن الاطفال والنساء الست الذين قتلهم شاب في العشرين من العمر انتحر بعد ذلك، استُهدفوا بالرصاص عدة مرات. وقال الطبيب في مؤتمر صحافي: «هناك بين ثلاث رصاصات و11 رصاصة في كل من الجثث السبع التي فحصتها شخصياً». وأضاف الطبيب الذي بدا عليه الحزن الشديد، أنه لم ير مثل هذا الأمر طيلة سنوات عمله الثلاثين. وقبل وصول أوباما، قال الناطق باسم الرئاسة جاي كارني في بيان، إن الرئيس «سيلتقي في نيوتاون عائلات الضحايا وسيشكر طواقم الطوارئ، كما يلقي كلمة خلال صلاة للمناسبة». وقال الطبيب الشرعي إن القاتل آدم لانزا، وهو من أبناء المدينة، استخدم بندقية نصف آلية من طراز «بوشماستر 233» لارتكاب المجزرة. وتضم لائحة القتلى أسماء 12 بنتاً وثمانية صبية، 16 منهم في السادسة من العمر والأربعة الآخرون في السابعة. أما البالغون، فهم مديرة المدرسة دون هوشسبرونغ (47 سنة) والطبيبة النفسية في المدرسة ماري شيرلاش (56 سنة) ومدرستان. وقال الناطق باسم شرطة كونيتيكت بول فانس، إن التحقيق الذي أجري في المدرسة وفي المنزل الفخم الذي كان يعيش فيه القاتل ووالدته التي قتلت قبل المجزرة في هذا المنزل، سمحا بجمع «عناصر جيدة جداً نأمل أن تسمح لنا برسم صورة كاملة لطريقة حدوث ذلك وأسبابه». وخيّم الحزن على نيوتاون، المدينة الصغيرة الواقعة على بعد تسعين كيلومتراً عن نيويورك وتضم 27 ألف نسمة. وفي كلمة مؤثرة جداً، عبر والد فتاة قتلت في المجزرة وتدعى إيميلي باركر (ست سنوات) عن تعازيه لكل العائلات، بما في ذلك عائلة لانزا، وقال هذا الأب، وهو ممرض يعمل في إدارة للعناية المركزة للمواليد الجدد: «أريد أن أقدم تعازيَّ الصادقة لكل العائلات، بمن فيها عائلة القاتل (...) لا أستطيع أن أتصور كم كانت هذه التجربة قاسية عليكم». ولم يتمكن هذا الأب من مغادرة مكان عمله عند وقوع الحادث واتصل بزوجته التي هرعت إلى المدرسة. وأوضحت مسؤولة في المدرسة تدعى جانيت روبنسون، أن مديرة المدرسة والطبيبة النفسية قتلتا بينما كانتا تسرعان لحماية الأطفال بعدما سمعتا أزيز الرصاص. أما المدرّسة فكتوريا سوتو (27 سنة) فقتلت بعدما خبأت التلاميذ في خزانة. وقالت الشرطة إن لانزا دخل المدرسة «بالقوة» مع أن أبوابها تغلق بعد دخول التلاميذ. وروت ماري آن جاكوب التي تعمل في المكتبة، أنها اختبأت مع ثلاثة بالغين آخرين و18 طفلاً في صالة لتشغيل الحواسيب وطلبت منهم الرسم، موضحة أنه مجرد تمرين. من جهتها، قالت كيتلين رويغ، وهي مدرسة شابة اختبأت مع الأطفال في المراحيض وطلبت منهم التزام الصمت: «قلت لهم: اعلموا أنني أحبكم حباً جماً». وأضافت لمحطة آي بي سي: «اعتقدت أنها الجملة الأخيرة التي سيسمعونها في حياتهم وأننا سنموت جميعاً». وروت لينيا اوربينا (تسع سنوات)، وهي تلميذة في المدرسة، لوالديها أنها سمعت شخصاً ما يقول: «ارفع يديك» ثم دوى الرصاص. وكان آدم لانزا يحمل ثلاث قطع سلاح هي مسدسان وبندقية نصف آلية. وتعود كل هذه الأسلحة لوالدته على ما يبدو. ملابسات غامضة وما زالت التفاصيل المتعلقة بالقاتل غامضة، إذ وصفه رفاق في مدرسته بأنه خجول ويميل إلى الوحدة وذكي جداً ولا يبدو عليه الانفعال كثيراً. وأشار البعض إلى أنه قد يكون مصاباً بعوارض «اسبرغر» القريبة من التوحد وتتسم بصعوبات في التفاعل مع المجتمع. لكن هذا لم يؤكد. ونفى الناطق باسم الشرطة أن يكون آدم تورط في شجار في المدرسة أخيراً. وأبدى والد الجاني بيتر لانزا السبت تفهمه لأسر الضحايا وآلامها، وقال في بيان: «نفكر في عائلات الضحايا والأصدقاء الذين فقدوا أشخاصاً أعزاء وفي الجرحى. عائلتنا تبكي مع كل الذين ضربتهم هذه الفاجعة الهائلة». وأضاف في بيان بثته محطة تلفزيونية: «ليست هناك كلمات يمكن أن تعبر عن مدى حزننا. مثل كثيرين منكم نحن حزينون ونحاول فهم» المأساة. وهذه المجزرة التي وقعت قبل أيام من عيد الميلاد، هي الثانية في الخطورة بين المجازر التي وقعت في مدارس. وكان اوباما، الذي بدا عليه التأثر بشدة، دعا صباح السبت في كلمته الأسبوعية مواطنيه إلى التضامن مع عائلات الضحايا. وأحيت هذه المجزرة الجدل حول الأسلحة الفردية في الولاياتالمتحدة. والأميركيون منقسمون حول ضرورة تعزيز التشريعات المتعلقة بالأسلحة الفردية التي أدت في 2009 إلى مقتل 31 ألف شخص بينهم أكثر من 18 ألفاً انتحاراً. سيرة قاتل «خجول» وكان آدم لانزا (20 سنة) مرتكب مجزرة «ساندي هوك»، شخصاً منعزلاً، وُصف بأنه خجول جداً، وأحياناً غريب الأطوار، لكن حتى وقوع المأساة لم يكن أحد يتصور أنه سيكون مسؤولاً عن أحدى أفظع المجازر التي شهدتها مدرسة أميركية. وقتل آدم الجمعة برصاصة والدته نانسي الشقراء الانيقة، التي كان يعيش معها في منزل فخم في حي هادئ في نيوتاون. وبعدها توجه إلى المدرسة وارتكب المجزرة. وكان آدم نشأ مع شقيقه راين (24 سنة) ووالديهما في هذه البلدة الصغيرة. وخلافاً لمعظم شباب جيله، لم يكن لديه صفحة على «فايسبوك». وقالت جارة إنه «كان فتى غريب الأطوار من الناحية الاجتماعية. كان وحيداً دائماً، لا أعرف أحداً من أصحابه». ووصفت ابنتها أليكس الشاب بأنه «كان متوتراً كل الوقت وينزعج إذا نظر أحد إليه». والصورة الوحيدة التي نشرت له تعود إلى 2005، ويظهر فيها فتى هزيلاً غريبَ الاطوار. وكان والدا آدم تطلقا في 2008 وغادر والده بيتر، المدير في شركة استشارات ضريبية، المدينة. وتزوج الوالد مجدداً، ويبدو أن الاثنين لم يكونا على اتصال إلا نادراً. وروى بعض رفاقه السابقين في المدرسة لصحيفة «نيويورك تايمز»، أنه لم يكن يتكلم على الإطلاق، وأنه قيل لهم إنه يعاني مرض «اسبرغر» الذي يسبب اضطرابات وصعوبات في التواصل مع الآخرين. وقال أحدهم: «إذا نظرت إليه لا ترى أي علامة تأثر على وجهه». لكن في هذه المرحلة لم يؤكد أي شيء. وأعلن الناطق باسم الشرطة بول فانس، أن تفتيش المنزل الذي كان يقيم فيه مع والدته سيسمح بمعرفة ما إذا كان يتناول أدوية، والتحقيق في المدرسة سمح بجمع «عناصر جيدة للغاية». وقال: «نأمل بأن تسمح لنا هذه العناصر الجيدة بوضع صورة شاملة لمعرفة كيف، وخصوصاً لماذا وقعت المجزرة»، من دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل، لكنه بدا مرتاحاً لما توصّل إليه المحققون حتى الآن. كما أوضح أن الشخص الوحيد الذي نجا من المجزرة «في صحة جيدة، وإفادته أساسية في التحقيق». وقال راين كرافت، أحد الجيران السابقين لصحيفة «واشنطن بوست»، إن الشقيقين تأثرا كثيراً بطلاق والديهما، وإن آدم كان يغضب بسرعة. وأضاف: «كانت تنتابه ثورات غضب أكثر من الأطفال العاديين». ولم يتم إعطاء تفاصيل عن نشاطاته الحالية. لكن قناة «أن بي سي» أكدت أنه حاول الثلثاء شراء بندقية لكن التاجر رفض بيعه إياها لأنه لم يستجب للإجراءات المعهودة. وقد يكون أيضاً «تشاجر» الخميس مع أربعة موظفين في المدرسة، وفق المصدر نفسه.