قارب صغير يحمل مهاجرين من قطاع غزة يغرق قبالة شواطئ الاسكندرية السبت الماضي، ما يسفر عن وفاة عدد منهم وإنقاذ آخرين بمشاركة قوات خفر السواحل من مصر وتركيا واليونان... البحرية الليبية تعلن إنقاذ 36 شخصاً من بين 200 بعد غرق سفينة كانوا على متنها الأحد شرق طرابلس... وقارب مماثل يغرق قبلها بأيام قليلة قريباً من الشواطئ الإيطالية، ومنظمة الهجرة الدولية تُعلن أمس فقدان حوالى 500 من المهاجرين غير الشرعيين، من الفلسطينيين والمصريين والسوريين والسودانيين، بعدما أغرق المهربون عمداً السفينة التي كانت تقلهم، في حادث اعتبرته «الأخطر» خلال السنوات الماضية. هذه الحوادث المتعاقبة التي راح ضحيتها مئات المهاجرين غير الشرعيين المتجهين سراً إلى أوروبا، تثير الكثير من التساؤلات التي كانت محور تحقيق أجرته «الحياة»، وتناول طرق الهجرة غير الشرعية من القطاع، وعصابات التهريب ومسار عملياتها وأسبابها، خصوصاً من قطاع غزة. وحسب فلسطينيين قرروا الهجرة، فإن عصابات التهريب التي تتشكل من عدد من الفلسطينيين والمصريين وغيرهم، تعمل في دول عدة بينها مصر وليبيا وإيطالياوالسويد وبلجيكا. وقال «غزيون» راغبون في الهجرة ل»الحياة» إن «رحلة الموت» التي تمر بإيطاليا وتنتهي في السويد، تبدأ بمدينة رفح الفلسطينية، وتراوح كلفتها عبر الاسكندرية بين 2000 - 2500 دولار للفرد، فيما تراوح عبر بنغازي أو طرابلس الليبية بين ثلاثة - أربعة آلاف دولار. وتستغرق الرحلة الخطرة الشاقة عبر الاسكندرية من خمسة أيام الى أسبوع، وأحياناً 15 يوماً، فيما تستغرق الرحلة الأقصر والأقل خطورة ومشقة عبر ليبيا، يومين الى ثلاثة أيام بقوارب عادة ما يكون على متنها عشرات أو مئات المهاجرين بحسب حجمها. وعلمت «الحياة» أن أهم مهربيْن هما «غزي» يقيم في العريش المصرية، وزوجته التي تقيم في مدينة خان يونس جنوب القطاع، إذ يدفع لهما الراغب في الهجرة نصف المبلغ المتفق عليه في البداية، والنصف الآخر بعد الوصول الى السويد عبر الاسكندرية، وقبل الصعود الى القارب في ليبيا. وقال «غزي» راغب في الهجرة مع زوجته وأبنائه الستة إنه اتفق مع المهربة، بعد مفاوضات، على 16 ألف دولار عبر ليبيا، على أن يدفع نصفها مسبقاً، والنصف الثاني في ليبيا. ويدخل المهاجر مصر إما عبر نفق لتهريب الأفراد، وعند فوهته المصرية يختم أحد أفراد العصابة جواز سفره ب»ختم دخول»، أو عبر معبر رفح الحدودي بطريقة رسمية شرعية، قبل أن ينتقل الى العريش ليقيم يوماً أو أكثر لدى زوجها يتم خلاله تجميع عشرات المهاجرين قبل التوجه الى الاسكندرية أو ليبيا عبر نقطة حدود السلوم، ومنها الى بنغازي أو طرابلس. ويتم تجميع المهاجرين في شقق تعود الى أفراد العصابة في المدن الثلاث تمهيداً لنقلهم الى حدود المياه الدولية الإيطالية، خصوصاً جزيرة «لامبيدوزا» الأقرب الى مصر وليبيا، ويحظر عليهم حمل أي ملابس أو طعام أثناء الرحلة المحفوفة بالمخاطر، باستثناء كمية من التمر. وتتمتع عصابة الزوجين «الغزيين» بدرجة عالية من التنظيم والقدرة على ادارة عملية التهريب المعقدة عبر قارات ودول عربية وأوروبية. وعند المياه الإقليمية الإيطالية، يترك المهرب المهاجرين بعد إرسال نداء استغاثة عبر هاتف «الثريا» الخليوي، تستقبله عادة مترجمة إيطالية تتحدث العربية، والتي ترسل بدورها بارجة حربية تابعة لقوات خفر السواحل الإيطالية اليهم بعد تحديد موقعهم. ويتم نقل المهاجرين من قاربهم الى البارجة التي لا تعود الى السواحل الايطالية إلا بعد أن تبحث عن قوارب مهاجرين آخرين، وأحيانا يستغرق الأمر أكثر من يومين. وفي إيطاليا، يتصل المهاجرون برجل «غزي» ينقلهم الى شقق خاصة بالعصابة للمكوث أيام عدة، قبل أن ينقلهم الى السويد عبر دول اوروبية تفصل البلدين عن بعضهما بعضاً. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يستقبل المهاجرين في السويد أحد أفراد العصابة الذي يستمع الى كل مهاجر على حدة، ويلقنه «القصة» المناسبة التي سيرويها بدوره للسلطات السويدية، قبل أن تنقله الى أحد معسكرات اللاجئين. وبعد حادث غرق القارب في الاسكندرية، أعلنت وزارة الداخلية الفلسطينية في بيان امس أن الأجهزة الأمنية في غزة ضبطت عدداً من المهربين الذين ساعدوا شباناً «غزيين» على الهجرة الى أوروبا في مقابل مبالغ مادية.