غيب الموت امس مرشد جماعة «العدل والإحسان» المغربية الشيخ عبد السلام ياسين (84 عاما) الذي كان من اشهر معارضي النظام المغربي، وفي نفسه شيء من «قومة» لم تتحقق. وبالقدر الذي أثارت «رؤيته» المعبر عنها ب «القومة» جدلا فقهيا وسياسيا العام 2007، اختلط فيه تفسير الأحلام بالواقع، بالقدر الذي أثارت مواقفه الراديكالية إزاء النظام توترات انتهت بجماعته إلى وضع استثنائي. فلا هي مرخصة مثل باقي الجمعيات والتنظيمات، ولا هي محظورة بالكامل إذ تنزل إلى الشارع وتعلن المواقف من كل القضايا المطروحة. لم يكن ياسين، معلم المدرسة الذي يدرس الفرنسية في معاهد في مراكش، يختلف عن أقرانه. كان يرتدي بذلة عصرية تزينها ربطة عنق، قبل أن يفجر مفاجأة من العيار الثقيل. اذ وجه، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، رسالة مفتوحة إلى الملك الراحل الحسن الثاني بعنوان «الإسلام والطوفان»عرض فيها السمات التي يجب أن يتسم بها أمير المؤمنين. وروى جيرانه في المسكن أنه ارتدى جلبابا أبيض وأعد نفسه للقادم من المخاطر. فقد كان يعرف أنه سيتعرض للاعتقال. ومن وقتها تغير هندامه وأرخى لحيته وقطع مع ماضيه، ليصبح داعية يتزعم تنظيم جماعة «العدل والإحسان» التي انطلقت على درب النصح والإرشاد، ثم تحولت إلى معادلة في المشهد السياسي، وإن لم تصبح حزبا. بيد أن مجلة «الجماعة» التي كان يصدرها ياسين جلبت عليه المزيد من المتاعب، وتعرضت للمنع بالقدر الذي تعرض فيه للاعتقال مرات عدة، بسبب أفكاره التي اعتبرتها السلطات»خارجة عن الشرعية» فيما لم يغير قناعته بأن المسجد هو»برلمان الأمة». عندما استقر به المقام في مدينة سلا، قرب الرباط، لم يكن يغادر مسكنه إلا للذهاب إلى المسجد أو السجن. ما دفع السلطات، على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إلى وضعه رهن الإقامة الجبرية سنوات عدة. وكان زواره ومناصروه يعايدونه في مسكنه الذي انطلقت منه دعوات حشد التأييد والاستقطاب، إلى أن أصبح للجماعة فروع وتنظيمات موازية ومجالس نصح. لكنها لم تشارك في أي استحقاقات انتخابية، بمبرر طلب معاودة النظر في القوانين والآليات الديموقراطية. لدى اعتلائه العرش، أقر الملك محمد السادس رفع الإقامة الجبرية عن الشيخ ياسين، في سياق خطة همت عودة منفيين وجبر الضرر إزاء ما يعرف ب «سنوات الرصاص». لكن المرشد الإسلامي رد عبر أول ظهور علني برسالة شديدة اللهجة «إلى من يهمهم الأمر»، داعيا إلى استرداد أموال الملك الحسن الثاني لأداء ديون أجنبية مستحقة على البلاد. في غضون ذلك، بدأت أشواط مواجهات بين الجماعة والسلطات عرفت وقتها ب «حرب الشواطئ»، عندما أقدم مناصرو «العدل والإحسان» على تنظيم مخيمات صيفية في الشواطئ المأهولة، ويقيمون الصلوات ويجهرون بالنهي عن المنكر. ما أدى إلى حظر الظاهرة واعتقال أعداد متزايدة من النشطاء من التيار. لكن المواجهة ستبلغ ذروتها عندما دخلت السيدة نادية ياسين، نجلة المرشد، على الخط، معلنة أنها تفضل إقامة نظام جمهوري في المغرب. فتوبعت قضائيا. لكن من دون أن يصدر ضدها أي حكم إلى الآن، في ضوء إرجاء محاكمتها سنوات عدة. من المفارقات أنه فيما كان الحسن الثاني يخطو في اتجاه مشفى ابن سيناء في الرباط، لحظات قبل أن يغيبه الموت، كان نشطاء من «العدل والإحسان»و»العدالة والتنمية» يجتمعون، كل على حدا، مع وزير الداخلية المتنفذ آنذاك إدريس البصري الذي روى لاحقا أنه كان بصدد امتزاج رأي الجماعة حيال إمكان تحولها إلى حزب سياسي. غير أن إقالة البصري تزامنت مع إنهاء الإقامة الجبرية عن الشيخ ياسين، ضمن توجهات جديدة أطلق عليها وقتذاك «المفهوم الجديد للسلطة». وبينما أفاد «العدالة والتنمية» الإسلامي من تطورات سياسية، أهلته لتشكيل الحكومة بعد اقتراع العام 2011، لا زالت «العدل والإحسان» تراوح مكانها. ومع انتشار نبأ الوفاة، تحولت إقامة الشيخ ياسين أمس إلى قبلة الزوار والمعزين، بينهم بن كيران. لقد انهار جسد الشيخ ياسين امام نزلة برد عادية.