تخشى العائلات السورية التي نزحت إلى دمشق من أنحاء البلاد هرباً من الحرب، أن يكون وصول مقاتلي المعارضة المسلحة إلى أطراف العاصمة إيذاناً برحيلهم عن ملاذهم الآمن. وليس هناك ما يشير إلى أن القوات الموالية للرئيس بشار الأسد تستعيد السيطرة. وتسيطر قوات المعارضة المسلحة في الوقت الحالي على قوس من الأرض يمتد من الشرق إلى الجنوب الغربي للعاصمة. وفتحت أم حسن، وهي جدة كانت حتى وقت قريب تعيش على اطراف دمشق، بيتها لاسرة ابنتها التي فرت من بلدة ريفية الشهر الماضي بسبب القصف. لكن المعارضة المسلحة سيطرت على الحي الذي كانت تسكنه أم حسن، وهي خطوة تبعتها بالضرورة موجة عنيفة من القصف شنها الجيش واضطرت الأسرة كلها هذا الأسبوع إلى الانتقال إلى ضاحية أخرى. ووجدت الأسرة المكونة من الجدة وابنتها وزوج ابنتها وطفلتين، مكانا فيه غرفة نوم واحدة وغرفة معيشة. وتعمل ام حسن في تنظيف المنازل مقابل نحو 15 دولاراً يوميا لتغطي كلفة الايجار المشترك. وقالت ام حسن لوكالة «رويترز»، «نهرب من مكان لنجد المشاكل في مكان آخر. لا اعرف إلى اين يمكننا الفرار اكثر من ذلك». وتستضيف كل اسرة في دمشق تقريباً اسرة من الاقارب الذين جاؤوا من أنحاء البلاد هرباً من الحرب لكن سكان دمشق انفسهم اصبحوا يستعدون للأسوأ. واشتبكت قوات المعارضة المسلحة هذا الاسبوع مع القوات الحكومية وسط العاصمة نفسها وتبادلوا نيران البنادق الآلية والقذائف الصاروخية في شوارع حي الروضة الفاخر بالقرب من البنك المركزي. وقال شاهد عيان طلب عدم نشر اسمه خوفاً على سلامته الشخصية: «هل تصدق ذلك؟ القذائف الصاروخية تطلق في حارة ضيقة؟ هل يريدون تدمير دمشق بأكملها؟». كما أعلنت المعارضة المسلحة مطار دمشق الدولي منطقة حرب واصبح من المألوف أن تقع الاشتباكات على الطريق إلى المطار الذي يبعد 25 دقيقة بالسيارة عن وسط العاصمة. وربما كان الأكثر إزعاجاً لسكان دمشق هو وعد المعارضة المسلحة المتكرر بأن المعركة الحاسمة على العاصمة اقتربت. ويدعو مقطع مصور نشر على موقع «يوتيوب» بعنوان «مراحل ساعة الصفر: هل انت مستعد؟»، إلى العصيان المدني والإضرابات العامة للضغط على قوات الجيش كي تترك مواقعها وتنضم إلى المعارضة. ولا يحدد المقطع ساعة الصفر، لكنه يقول إنها ستعلن على شبكات التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزيون والمساجد. وتحولت دمشق، التي كانت قبلة للسائحين الذين يجوبون المدينة القديمة ويترددون على مقاهيها، إلى ما يشبه الثكنة العسكرية التي تستعد لكارثة. ونصب الجيش الشهر الماضي بطاريات صواريخ جديدة على جبل قاسيون الذي يشرف على دمشق، ويقول نشطاء معارضون إن الجيش ينشر المزيد من بطاريات الصواريخ وسط دمشق، من بينها واحدة في القلعة الأثرية بالمدينة القديمة. ويسمع سكان دمشق ليل نهار أصوات القصف الذي يستهدف الأحياء التي سيطرت عليها قوات المعارضة أو التي ما زال النزاع يدور بشأنها. وتحولت الشوارع في العاصمة الآن إلى متاهة من نقاط التفتيش وحواجز الطرق، بينما أغلقت بعض الطرق الرئيسية أمام السيارات بكتل خرسانية. ويقف رجال بملابس مدنية للحراسة في كل ركن وليس من غير المعتاد أن يفتحوا النار على اقل خطر محتمل وأن يطلقوا بنادقهم روسية الصنع في حين يهرول المارة بحثاً عن ساتر. وتعزز قوات الاسد التي تحاول طرد قوات المعارضة المسلحة من حصارها للأحياء التي تسيطر عليها المعارضة ما يحول دون دخول الإمدادات الضرورية لمن بقي من المدنيين داخل هذه الأحياء. وخاضت أم حسن هذه الأزمة قبل أن تضطر للنزوح. وقالت: «قوات الأمن لا تسمح بدخول شيء. لا فاكهة ولا خضروات ولا حتى طحين من اجل المخابز ولا حليب للاطفال. وعندما وصلت المياه جعلوا السائق يفرغ حمولته بالكامل على الارض». وقالت في اشارة إلى نقاط التفتيش التي احاطت بالحي الذي كانت تسكن فيه: «في الغالب لم يسمحوا لنا بالخروج ولذلك لم نكن نستطيع الذهاب إلى العمل». وتشبه حكايات أم حسن ما يرويه كثيرون من بين نحو 2.5 مليون نازح سوري فروا من ديارهم في أنحاء البلاد. حتى الأثرياء في دمشق لم يسلموا من تدهور مخزونات الخبز وزيت التدفئة ومن الصعوبات بشكل عام. وفي تجمع لسيدات مجتمع في حي المالكي الثري أخيراً، قالت سيدة إنها الآن تضطر إلى الترشيد في التدفئة وتشغلها لساعة او ساعتين يومياً حتى في جو كانون الاول (ديسمبر) قارس البرودة. وقالت: «سأرتدي اربع او خمس طبقات من الملابس، ولا مشكلة. ماذا يمكننا أن نفعل؟ نحن لا نجد زيت التدفئة». وحتى لو وجد زيت التدفئة فهو يُباع بنحو 20 ضعفاً لما كان عليه قبل الأزمة. وقالت امرأة أخرى، وهي زوجة تاجر متقاعد، إن أسرتها تحاول دون جدوى العثور على الخبز منذ أيام. وقالت إنها لم تستطع حتى العثور على خبز غير مدعم وهو الخبز الذي يباع بثمن 150 ليرة سورية (نحو دولارين) لكل عشرة أرغفة. أما الخبز المدعم، فثمنه 15 ليرة فقط، لكن ليس هناك ما يضمن حصول الشخص على الخبز حتى لو وقف في الطابور لساعات. وقالت إحدى الأمهات إن قلقها على السلامة الوجدانية لأبنائها يبقيها بلا نوم طوال الليل. وقالت في إشارة إلى الوظائف الحكومية التي كانت تعمل بها بناتها اللواتي تعلّمن في الجامعة: «كنّ يحببن عملهن وكنّ يتحدثن عن بدء عمل جديد خاص بهن، الآن هن بلا عمل. يجلسن في البيت بلا عمل، ويحاولن السفر إلى الخارج، لكن لا أحد يعطيهن التأشيرة». وأضافت: «كل ما أتمناه أن يجدن رجالاً طيبين ويبدأن حياتهن في مكان افضل».