وصف الرئيس العام لهيئة السياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان، حال التراث العمراني لدى الطلاب والجامعات، قبل عقود ب «الاحتقار غير المقصود»، مشيراً إلى أنه كان قبل نحو 20 عاماً، في زيارة لأحد معارض الطلاب المعمارية في إحدى الجامعات، وبعد مشاهدته التصاميم التي قدمها الطلاب، أصيب بنوع من «خيبة الأمل والصدمة». وقام على الفور بإنهاء زيارته، نظراً لعدم رضاه عما شاهده. وطلب من أحد المسؤولين المرافقين له في الزيارة، عدم الطلب منه حضور أي زيارة لمعارض الطلاب. وعزا السبب في ذلك إلى أن تلك التصاميم كانت «تفتقر إلى التراث العمراني الوطني، وأنها كانت مسخ من تصاميم تم أخذها من الغرب، ولم يقم أي من الطلاب المشاركين في المعرض بعمل أي تصميم معماري من وحي التراث الوطني، وهذا ما أصابني بالإحباط والامتعاض لما شاهدته». وكشف الأمير سلطان، خلال تدشينه فعاليات «مُلتقى التراث العمراني الوطني الثاني»، الذي أقيم أمس في جامعة الدمام، عن البدء في تطوير منطقة تراثية، تقع وسط مدينة الرياض، وتقدر مساحتها ب15 كيلومتراً مربعاً، وتتضمن أكثر من 400 منزل، سيتم بناؤها على الطراز المعماري القديم، الذي يحاكي التراث الوطني السعودي، بكلفة 350 مليون ريال. فيما قامت الهيئة بتوقيع عقد شراكة مع صندوق الاستثمارات العامة، لتمويل وترميم قرى ومناطق تراثية في المملكة، كونها «أحد الروافد الاقتصادية». وقال: «إن هناك تحولاً كبيراً في تعاطي أمانات المناطق، ما أسهم في نهضة التراث العمراني، من خلال تبنيهم لمبادرات تُعنى في التراث والسياحة». وأشار إلى أهمية ما تحقق في محافظة الغاط، من خلال إعادة القرية القديمة إلى خريطة التراث الوطني والسياحي، عبر حزمة مشاريع بلغت كلفتها 17 مليون ريال. وقال: «حوّل الأهالي قريتهم التراثية من مكان آيل للسقوط، إلى موقع قابل للاستثمار والسياحية، من خلال مشاريع تأهيلية تهدف لإعادة إعمار الوسط التاريخي للمحافظة، وكذلك ترميم المنازل، وتهيئة الأسوار، والسوق والجامع القديم، إضافة إلى الاعتناء في المناطق المحيطة فيها، من جبال ومزارع وأودية»، لافتاً إلى أن هذه المشاريع التأهيلية ستكون «منسجمة مع النسيج العمراني، ومحاكية لحضارة الماضي العريق بالحاضر المزدهر، إضافة إلى العمل على زيادة تحويل بعض المزارع المحيطة في البلدة القديمة، إلى نزل بيئية». وقال: «إن هيئة السياحة والآثار بدأت بالتعاون مع إحدى الشركات العقارية العاملة في مجال الاستثمار السياحي، في تطوير وإنشاء أول فندق يحاكي التراث والطابع الحجازي، الذي سيقدم ترجمة عصرية للتراث السعودي ومفهومه المتميز للضيافة، ويتضمن فلل فندقية راقية، من فئة 5 نجوم، تتميز بإطلالة فريدة ومميزة». وأضاف أن «المشروع الذي بدأ العمل فيه فعلياً، يسعى إلى تشجيع المستثمرين على إنشاء الفنادق والوحدات السكنية المفروشة، أو الفلل الفندقية وفق الطراز المحلي، وإبراز قوة التراث العمراني لكل منطقة من مناطق المملكة». وأشار إلى أن المشروع الجديد «اعتمد تنفيذ التصاميم الخارجية للمشروع، وفق طابع تراثي مُستوحى من تراث مناطق المملكة وتاريخها، وبأسلوب عصري حديث، كأول مشروع من هذا النوع في قطاع الإيواء». فيما أبدى إعجابه بقرية ذي عين في منطقة الباحة. وذكر أنها «تمتاز ببناياتها الشامخة تحدياً، وبمائها الزلال»، لافتاً إلى أنه زارها وطالبه البعض بهدم البيوت القديمة، وبناء منازل جديدة، فقال لهم: «هل ضاقت بكم هذه الوديان، حتى تأتوا إلى هذه القرية، وتهدموا بيوتها؟». وأردف أن «100 شخص من سكان «ذي عين»، وقعوا على إنشاء جمعية تعاونية، والتضامن على ألا تهدم هذه القرية، حتى لا تسبب هدم التاريخ». وكشف أن الهيئة قامت أخيراً، بتوقيع اتفاقات «هامة» مع البنك الزراعي، وصندوق الاستثمارات العامة، وجامعات، فيما يتم حالياً، التنسيق مع أمانات مناطق، «لعمل مشاريع تراثية في وسط المدن الرئيسة، بهدف المحافظة على التراث الوطني، الذي بدأ يستعيد مكانته في المجتمع السعودي، بعد الوضع المتردي الذي كان يعشيه قبل عقود». وأعلن الأمير سلطان، أنه تم منح جائزته للتراث العمراني، عن فرع «الإنجاز مدى الحياة» إلى ولي العهد وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز، «تقديراً لما قام به من تأهيل وتطوير لمواقع التراث العمراني في منطقة الرياض، خلال توليه إمارتها على مدى أكثر من نصف قرن، حتى جعل الحفاظ على التراث العمراني جزءاً من ثقافة الرياض وأهلها، الذين يتسابقون إلى الإبداع في استلهام التراث العمراني، في مبانيهم ومشروعاتهم، وفي دعم توجه الحفاظ عليه، من خلال الجهود الفردية والمؤسسية». وكان الأمير سلطان بن سلمان، قام أمس، بافتتاح «مُلتقى التراث العمراني»، ومعرض مشاريع طلاب كلية العمارة والتخطيط. وكرم الفائزين بجائزته للتراث العمراني. واطلع الأمير سلطان على أعمال طلاب كلية العمارة والتخطيط في بهو الكلية. وقام بزيارة بيت الطين الذي شيده عدد من طلاب كلية العمارة داخل حرم الجامعة. إلى ذلك، وقعت الهيئة العامة للسياحة والآثار، وجامعة الدمام، مذكرة تعاون لتوطين مهن القطاعات السياحية، والعمل على تمكين المجتمعات المحلية من القيام بأدوارها في تنفيذ خطه التنمية السياحية. ووقع الاتفاق من جانب الهيئة رئيسها الأمير سلطان بن سلمان، ومن جانب الجامعة مديرها الدكتور عبدالله الربيش. وتنص بنود الاتفاق على «تحقيق التكامل في تنمية الموارد البشرية الوطنية السياحية، وإعداد البرامج التدريبية والتأهيلية، وتنفيذها، والإشراف العملي عليها ومراجعة الحقائب التدريبية والتأهيلية، إضافة إلى تنسيق الجهود في بناء المعايير المهنية والحقائب التدريبية للمهن السياحية، سعياً إلى خطة منهجية موحدة على مستوى المملكة لتلبية احتياجات سوق العمل، وتوطين الأيدي العاملة في قطاع السياحة والتراث». ووفقاً للاتفاق «تعمل الهيئة والجامعة على العمل المشترك لمواجهة المعوقات التي تعترض نمو قطاع التعليم والتدريب السياحي، وبناء معايير الأداء وإجراءات الجودة ومراجعتها، بما يسهم في الاعتماد وتقويم القياسات المهنية السياحية والتراثية، والتركيز على مفاهيم السياحة الوطنية ضمن السياحة السعودية لمفردات مقررات الجامعة ذات العلاقة، والاستفادة من إمكانات الجامعة وخبراتها في مجال التدريب والتعليم، ومنها مجالات استخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، واستخدام الخرائط وتصميمها وقراءتها، وتنشيط برامج الدراسات العليا في بعض الأقسام العلمية في الجامعة لخدمة السياحة الوطنية، والاستفادة من إمكانيات الهيئة في برامج التخرج والتدريب التعاوني لخريجي أقسام الجامعة ذات الصلة». وكذلك «الاستفادة من خبرات الجامعة في مجال التراث العمراني والدراسات والبحوث العمرانية، ومشاركة الجامعة في تأهيل المواقع القديمة ذات الأهمية التراثية ضمن برنامج الحفاظ العمراني وتطوير الموروث الثقافي وتوظيفه، بما في ذلك المعارف المحلية والدولية وتدريب المرشدين السياحيين، ودعم الجامعة لتعزيز مبادئ المحافظة على التراث العمراني والحرف التقليدية لدى طلاب الجامعة وطالباتها، وتطوير مواد البناء التقليدي لتتواكب مع مطالب الحياة العصرية».