وعي بالتراث المعماري يوم الاثنين 18 ذي الحجة كانت الانطلاقة، التي أمّها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة بحضور صاحب السمو الملكِي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار وصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة.. في ذلك اليوم، قالها الأمير خالد الفيصل واضحة: إننا نحن أحوج ما نكون إلى الحفاظ على تراثنا وعلى هويتنا وعلى شخصيتنا وخصوصا في مدننا، فالمدينة هي صورة الإنسان الذي يقطنه، ولا بد ونحن في أشرف بقعة على وجه الأرض أن تكون مدننا صورة واضحة لشخصية الإنسان السعودي العربي المسلم..» من تلك القناعة وجّه سموه النداء مهيبًا بأمناء منطقة مكةالمكرمةوجدة والطائف أن يولوا الحفاظ على الشخصية والهوية في الطراز المعماري، وأن يعطوها كل المستحق.. ومن جانبه أشار صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى أن المملكة تنظر للتراث العمراني كاستثمار للمستقبل كما هو دائم مصدر للاعتزاز، مبينًا أننا اليوم ننظر لمواقع التراث بأنها آيلة للنمو والاستثمار، وليست آيلة للسقوط كما كانت تسمى سابقًا. ومضي قائلًا في كلمته التي ألقاها في حفل الافتتاح: نريد استثمار مواقع التراث العمراني في إعادة إحياء تاريخنا المجيد، وإخراج هذا التاريخ من بطون الكتب، لتتحول المواقع التراثية المنتشرة عبر أرجاء بلادنا الشاسعة إلى مواقع حية يعيش فيها المواطن وأسرته وشباب الوطن تاريخ وحدتهم الوطنية العظيمة، التي انطلقت من هذه القرى والبلدات المتناثرة عبر صحارى وجبال وشواطئ بلادنا الغالية. فلكل مواطن وأسرة وبلدة مساهمة في بناء هذا الوطن منذ تأسيسه تحت راية المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، ومن واجبنا جميعًا أن نعيد الحياة في هذه المواقع التي تشكلت فيها شخصيتنا وقيمنا، وانطلقت منه وحدة وطننا الذي نعيش تحت ظلاله سعداء آمنين مطمئنين ولله الحمد. ثم كانت الشيخ كلمة صالح كامل رئيس الغرفة التجارية بجدة التي أعرب فيها عن اهتمام الغرفة والقطاع الخاص بجدة بدعم مشروعات التراث العمراني وتأتي مشاركة الغرفة في تنظيم الملتقى في إطار هذا التوجه، قائلًا: أناشد أرباب العمارة مفكرين ومهتمين بالتواصل والعمل لاستعادة الهوية الوطنية، تلك الهوية التي فقدتها معظم الدول العربية، موجهًا ندائه إلى رجال الأعمال للتعاون مع مبادرات الهيئة العامة للسياحة والآثار في عدد من المواقع التاريخية وذلك للاستثمار والتطوير، مشيرًا إلى وطننا هو مهد الحضارات ولكن بعض العادات فرضت علينا بعض المفاهيم الخاطئة التي يتأمل أن يغيرها هذا الملتقى، معلنًا رغبة غرفة جدة في استثمار أحد المواقع والبيوت الأثرية في منطقة جدة التاريخية كأوتيل خاص بطابع تراثي، منوهًا بعدد من القرارات الصائبة من القيادة الرشيدة في دعم والمحافظة على التراث العمراني الوطني، متمنيًا أن تسهم فعاليات وورش وندوات الملتقى في طرح أفكار جديدة تسهم في حماية الهوية الوطنية. فيما أشار أمين جدة الدكتور هاني أبو راس إلى أن محاور التنمية في منطقة مكةالمكرمة قد أخذت فيها جانب المحافظة على التراث العمراني والبعد الحضاري حيث انه أحد المحاور الأساسية ويعتبر من الأهداف العليا للإمارة التي ترتبط بها جميع المحافظات المنطقة، نظرًا للأهمية الكبيرة للمحافظة على هذا التراث الذي يعتبر كنوزًا مهمة، مضيفًا أن أمانة محافظة جدة قامت في هذا الجانب بتأسيس بلدية مستقلة هي بلدية جدة التاريخية التي نتأمل أن تقوم بدور رائد ومهم في جانب المحافظة على التراث العمراني في المنطقة التاريخية. ومن جانبه ألقى مدير جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامة طيب كلمة أعلن فيها عن نية الجامعة افتتاح مركز بحثي متميز في مجال التراث العمراني الوطني، كما أعلن عن بدء القبول في برنامج الماجستير التنفيذي في مجال التراث العمراني والذي ستقدمه كلية العمارة والتخطيط، حيث يضاف إلى التعاون والاتفاقيات التي تربط الجامعة مع الهيئة العامة للسياحة والآثار والتي كان آخرها ما تم توقيعه اليوم، مشيرًا إلى أن مشاركة الجامعة جاءت في إطار خدمة المجتمع وبحث قضاياه الملحة. بحوث وورش عمل بعد ذلك انطلقت الجلسات العلمية وحلقات النقاش وورش العمل والمعارض ومسابقات للتصوير الفوتوغرافي والرسم والتلوين وفعالية البناء التقليدي والمنتجات الحرفية، التي أقيمت بالمنطقة التاريخية ومجمع البحر الأحمر التجاري. ومن بينها ورشة عمل بالغرفة التجارية تحت عنوان «الاستثمار في مجال التراث العمراني» ركزت على جمع أصحاب الخبرة والتجربة في مجال الاستثمار في التراث العمراني ومناقشة القضايا في هذا الجانب بعرض التجارب المتميزة والمشروعات الناجحة التي يمكن أن تحيي التراث العمراني وتطور استثماراته وبحث الحلول والآليات الممكنة لتنمية بيئة الاستثمار في مجال التراث العمراني. وفي ورشة «التعليم الجامعي في مجال التراث العمراني» التي أقيمت في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة أعلن نائب وزير التعليم العالي الدكتور أحمد السيف عن عدد من المبادرات التي تقدمها وزارة التعليم العالي لدعم جهود ومشروعات الحفاظ على التراث العمراني وتنميته، ومن بينها تحديد 5 طلاب ماجستير (معيدين) لبعثهم للخارج من كل كليات العمارة والتخطيط من اجل تعزيز المجال العلمي والأكاديمي في مجال التراث العمراني. وتعزيز العلاقة بين المسارات الأكاديمية وبين التراث العمراني في كليات العمارة وتفعيل لجنة دائمة من عمداء الكليات لمراجعة وتطوير هذه المسارات والتنسيق مع مركز التراث العمراني الوطني ليتم الاجتماع الأول مع عمداء الكليات خلال ثلاثة شهور القادمة. وإخراج وطبع ونشر كتاب مرجعي حول علاقة التراث العمراني بالتعليم المعماري لرصد تجارب الجامعات السعودية، تتكفل وزارة التعليم العالي بطباعته ويقوم مركز التراث العمراني على تحريره ويكون ذلك خلال ستة شهور. وتحولت حلقة النقاش الثالثة تحت عنوان «تنمية وتطوير القرى والبلديات التراثية»، إلى ما يشبه رحلة سياحية إلى عدد من القرى التراثية في السعودية وذلك من خلال استعراض الخبراء في الجلسة تجاربهم الناجحة في ترميم القرى والتجارب ناجحة في مجال الاستثمار في تطوير التراث العمراني وتوظيفها اقتصاديًا.. وكانت فعاليات الملتقى قد شهدت كذلك تكريم الفائزين جائزة مشروع التراث العمراني. توصيات الملتقى وخلاصة لما دار في هذا الملتقى جاء ختامه حاملًا لعدد من التوصيات، أوصى الملتقى الأول للتراث العمراني والوطني بإنشاء مراكز بحثية متخصصة من خلال الجامعات السعودية في مجال التراث العمراني، بمناطق المملكة تهدف إلى استخلاص معايير حديثة للعمران المعاصر تتوافق مع التراث العمراني ومع القيم والنواحي الاجتماعية والأخلاقية وتساعد في تنفيذ مشروعات التنمية العمرانية الحديثة على غرار مركز أبحاث البناء بالطين بجامعة الملك سعود ومركز تراث البحر الأحمر بجامعة الملك عبدالعزيز. ودعا كذلك إلى توافق المشروعات العمرانية الحديثة مع مفاهيم التراث العمراني المحلى. وحث ملاك العقارات على التعاون مع الأمانات والبلديات وهيئة السياحة والآثار في مجال التراث العمراني. كما دعا وزارة الشؤون البلدية والقروية لإنشاء وكالة للتراث العمراني لإدارة وتطوير التراث العمراني في القرى والمدن السعودية، واستمرار الوزارة في تبني إدراج مشروعات لإعادة وتطوير مواقع التراث العمراني والميزانيات التابعة لذلك. موصيًا بالتأكيد على أهمية وضرورة تشجيع قيام شركات متخصصة تعنى بمجال ترميم وتطوير التراث العمراني مشاركة مع البلديات. مع حث القطاعين العام والخاص لحماية مواقع التراث العمراني واستثمارها وتأكيد إيقاف إزالة المباني التراثية. والدعوة إلى تحفيز شركاء التنمية والجمعيات الأهلية ليكون لهم دور فاعل في عمليات التراث العمراني. ومن جملة التوصيات كذلك تسريع برنامج تأهيل المقاولين تحت إشراف وزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العامة للسياحة والآثار، وتفعيل برامج التراث العمراني للتعليم الجامعي، وتطوير آليات تمويل مشروعات التراث العمراني، وتطوير وسائل إدارة الأوقاف في مواقع التراث العمراني، وتطوير أنظمة المحافظة على التراث العمراني وترقيمه واستثماره، وتكثيف برامج تطور الكوادر المتخصصة في مجالات المحافظة وتطوير وتشغيل مواقع التراث العمراني، واستعجال انجاز مشروعات التراث العمراني التي تتولاها الدولة أو تساهم في تطويرها مثل أواسط المدن والقرى التراثية والمباني المملوكة للدولة وتعزيز مسارات تمويلها لتكون متاحة للمواطنين والزوار في أقرب وقت ممكن، والتركيز على برامج التدريب للعمل في مواقع التراث العمراني للمواطنين، وتكثيف برامج تدريب وفرص العمل لتقديم الخدمات المساندة في السياحة والمناطق التي تقع فيها مواقع التراث العمراني المطورة، وتعزيز الشركات مع الجهات الحكومية ذات العلاقة لتكثيف مشاركتها في تطوير خدمات ومواقع التراث العمراني، وتطوير مسارات تطوير الخدمات الرديفة في مناطق التراث العمراني، وتعزيز موارد وتمويل مشروعات التراث العمراني، استمرار الهيئة العامة للسياحة والآثار في برنامج الزيارات الميدانية لمواقع التراث العمراني لمنسوبي البلديات والمحافظات والمستثمرين. ثمار يانعة ومن الثمار الكبيرة التي خرج بها هذا الملتقى إعلان جامعة الملك عبدالعزيز بجدة عن إنشاء مركز تمييز بحثي للتراث العمراني في ساحل البحر الأحمر يبدأ نشاطه العلمي خلال العام الدراسي 1433/1434ه. كما أعلنت الغرفة التجارية بجدة عن تأسيس لجنة استشارية للاستثمار في التراث بالهيئة العامة للسياحة والآثار يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة ويشارك فيها رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة بالإضافة إلى عضو من مجلس إدارة كل غرفة من الغرفة التجارية بكل مناطق المملكة كما يشارك بها أعضاء من مجلس إدارة الهيئة الممثلين للقطاع الخاص. كما تضمنت مبادرات الغرفة أيضا العمل على إنشاء صندوق للمحافظة على التراث العمراني مقره في جدة برأس مال يبلغ خمسين مليون ريال.. فيما خصصت جامعة أم القرى 3 آلاف ساعة عمل لدعم البرامج المشتركة مع هيئة السياحة، حيث وقّع الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار ومعالي مدير جامعة أم القرى الدكتور بكري بن معتوق عساس اتفاقية تعاون على هامش الملتقى في مجالات تنمية الموارد البشرية السياحية وإجراء الأبحاث والدراسات في مجال السياحة والآثار، ودراسة القضايا المتعلقة بالآثار والمتاحف في منطقة مكةالمكرمة، وإجراء مسح وتوثيق مواقع التراث العمراني في منطقة مكةالمكرمة، وتسجيلها في السجل الرقمي الوطني بالهيئة، إضافة إلى تطوير الأنماط السياحية وتنظيم الفعاليات والأنشطة والبرامج السياحية وإقامة المعارض والمسابقات الثقافية والمحاضرات، وكذلك الإعلام والعلاقات العامة وتنفيذ برامج علمية موجهة تساهم في تعزيز الثقافة السياحية بين أطراف العملية التربوية من الجنسين في الجامعة علاوة على تطوير المواقع السياحية والاستثمار السياحي. كما أعلن الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله تبنى ترميم أول مسجدين تاريخيين في جدة التاريخية هما مسجد الشافعي ومسجد المعمار واللذين تم الترميم فيهما فعليًا مؤخرًا.