لفترة قصيرة خلت، كانت مونتريال عاصمة الصحافة الاغترابية لوفرة إصداراتها المجانية وتنوعها وتعدد لغاتها ونضجها المهني وتنافسها في ما بينها وشدة الإقبال على مطالعتها ومردودها المالي، ما يعني باختصار أن تلك المرحلة كانت بمثابة العصر الذهبي للإعلام الاغترابي. أما اليوم، فقد خبت جذوة معظم تلك الصحف، وتقلصت أعدادها، وتوقف بعضها عن الصدور، وتراجع بعضها الآخر من أسبوعية إلى نصف شهرية أو إلى إصدارات عشوائية، ما أدى إلى هبوط رصيدها المعنوي والمادي وصيرورتها مجرد مطبوعة ورقية بلا حياة أو لزوم ما لا يلزم. ولادة « يللا» في مثل هذه الأجواء التشاؤمية، فوجئت الأوساط الإعلامية الاغترابية بولادة مجلة جديدة باللغة الفرنسية تحمل اسم «يللا»، آملة بأن تكون «إضافة نوعية، ودورية متميزة، ولسان حال الاغتراب الكندي في مجمل شؤونه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والوطنية»، بحسب ما وعد به مؤسس المجلة ورئيس تحريرها ألفريد بارود (40 سنة) في افتتاحية العدد الأول. هاجر بارود إلى كندا قبل أربع سنوات. وهو محام لبناني من بلدة المتين حائز دراسات عليا في الديبلوماسية والمفاوضات الاستراتيجية من كلية «جان موني» في باريس، وله مؤلفات عدة لبنانية وقانونية، ومدرّب فن المفاوضات والاتفاقات التجارية في لبنان والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن رئاسته تحرير مجلة «حقوقي». اختار بارود اسم مجلته بناء على الدلالات التي يحملها. فهو يعني الحث على فعل شيء إيجابي قبل حدوثه، أو قد يكون محطة كلام يتكرر لفظها مرات عدة، أو قد يكون أيضاً ذا بعد عالمي يتردد أحياناً على ألسنة بعض الأجانب في سياق حديث معين». تقع المجلة في 32 صفحة، وتتمتع بإخراج أنيق وطباعة لافتة. وتضمن العدد الأول مقابلات وتحقيقات وشؤوناً ثقافية واغترابية. ووزع مجاناً على غالبية المحال والمؤسسات العربية في مونتريال وضواحيها. وستبقى المجلة «مجانية حتى إشعار آخر، وفقاً لحاجة السوق»، على حد تعبير بارود. أما الإصدارات التالية، فستكون «تلبية لطلب القراء» باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية السائدة في المجتمع الكندي. وفي موازاة الطبعة الورقية، تنشر» يللا» إلكترونياً على موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي. ويرى بارود أن مجلته «تسد فراغاً إعلامياً لكونها المجلة الوحيدة بين مجموعة الصحف الاغترابية في كندا. وهي تتوجه إلى المهتمين العرب والكنديين المعنيين بالشأن الثقافي والاجتماعي والفكري والسياسي»، لافتاً إلى أن ذلك ينطلق - كما يراه - من «العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية غير المرتبطة بحدث يومي». أما هوية المجلة، فيحدّدها بارود بأنها «لبنانية عربية كندية مستقلة لا تنتمي إلى أي حزب أو طائفة أو مذهب، ولا تتلقى أي مساعدات مالية من أي جهة سياسية أو عقائدية، وإنما تعتمد على تمويلها الذاتي من موارد الإعلانات التجارية والاشتراكات السنوية. وهي تشدد على البعد التعايشي الإنساني والحضاري السائد بين مكوّنات المجتمع الكندي. وتركز أساساً على منظومة القيم العائلية الشرقية وعلى تفاعل المهاجرين العرب واللبنانيين وانخراطهم الكامل في مجالات العمل والإنتاج والثقافة، من دون التخلي عن هويتهم التاريخية والحضارية». ويرى مهتمون في الشأن الإعلامي الاغترابي في مونتريال أن مبادرة بارود بإصدار «يللا» تُعد مغامرة جريئة، بمعنى أن ديمومة استمراريتها ستبقى في النهاية - ككل مطبوعة أخرى - معيار النجاح أو الفشل.